شفافية باقان أموم .. الموجعة النافعة
7 November, 2009
محمد المكي أحمد
modalmakki@hotmail.com
في اطار حرصي على محاورة قادة الحركة السياسيةالسودانية البارزين، وخاصة المثيرين للجدل والـتأمل ، التقيت السيد باقان أموم لدى توقفه في مطار الدوحة في طريقة الى اليابان التي عاد منها الى السودان أمس الخميس الخامس من نوفمبر 2009 بعد زيارة الى طوكيو استمرت أياما عدة.
تعجبني في باقان أموم صراحته ووضوحه التام في طرح رؤاه ومواقف "الحركة الشعبية لتحرير السودان" تجاه مختلف قضايا السودان، وقد نشرت نص المقابلة في "الحياة" اللندنية أمس الخميس (5 -11- 2009) ويمكن الاطلاع على النص في موقع الصحيفة الالكتروني.
قبل أيام نشرت "الحياة" اللندنية وهي صحيفة رصينة واسعة الانتشار في العالم نص مقابلة ساخنة أجريتها مع وزير الداخلية السوداني السيد ابراهيم محمود ، و تضمنت انتقادات شديدة للمعارضة السودانية، لكنه ركز على أهمية العلاقة الاستراتيجية بين حزبي "المؤتمر الوطني" و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" وأهميتها للتحول الديمقراطي واستقرار السودان .
وهاهو باقان أموم يضع يده مجددا على الجرح السوداني الكبير عندما يحذر من أن غياب الحرية والمساواة سيؤدي الى انهيار السودان.
قال باقان في مقابلته مع "الحياة" إن مسؤولي حزب المؤتمر الوطني (شريك الحركة الشعبية في الحكم) في " وضع يرثى له" لانهم "متشبثون بالسلطة ومتخفون من فقدانها " (في الانتخابات) .
أيا كانت الحقيقة أو عدمها في كلام باقان ، فانه وبعض قادة " الحركة الشعبية"يتكلمون بصراحة و وشفافية عن مخاوف حركتهم ومخاوف السودانيين، وفي اطار تعليقاتهم حول أزمات السودان.
أعتقد أنه من الأفضل أن لا يسعى بعض قادة حزب المؤتمر الوطني وبعض مؤيديه الى شن حملات شرسة على باقان أموم , أو الحركة الشعبية أو نائب أمينها العام السيد ياسر عرمان، لأن الهجوم الكاسح لا يحل المشكلات ، بل يعقدها، وربما يوغر النفوس أيضا ويغلق أبواب التلاقي.
اللافت في شخصية باقان أموم وبعض القادة الجنوبيين وبينهم من يختلف مع الحركة الشعبية لتحرير السودان أن جرعة الشفافية قوية في رؤاهم وانتقاداتهم للأوضاع والسياسات التي أدت الى "سودان قديم" من دون حرية وعدالة ومساواة، ولهذا يتطلعون الى سودان جديد على أسس جديدة.
هذا التطلع المشروع هو حق للجنوبيين ، و حق مشروع للشماليين أيضا، وحق لكل المهمشين في السودان الحالي ، حيث لا سبيل لمعالجة أزماته المزمنة الموجعة الا من خلال الشفافية في طرح المشكلات وتحليلها وتشخيصها ،في سبيل التوافق بين أبناء الوطن حتى لانفقد الوطن .
سعدت بمقابلة باقان أموم في الدوحة قبل أشهر عندما استضافته السفارة السودانية في قطر وطرح رؤاه الصريحة وانتقاداته الساخنة لسياسات قادة الحكم من حزب المؤتمر الوطني .
لبيت أيضا دعوة الحركة الشعبية لتحرير السودان للاعلاميين السودانيين العاملين في الخارج خلال فترة انعقاد مؤتمرهم الثاني، وكان باقان نجم اللقاء ، وقد تحدث عن قضايا الساعة، واتسم كلامه أيضا بالشفافية كعادته ومن دون تجريح أو اساءات شخصية.
من سمات باقان السوداني الجنوبي أنه لا يخوض في الجوانب الشخصية عندما يطرح رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان تجاه القضايا الخلافية مع حزب المؤتمر الوطني .
وهو كما استمعت اليه غير مرة لا يلجأ لشخصنة الأمور كما يفعل بعض سياسيي السودان، وخاصة بعض قادة الحكم الحالي ومناصريهم الذين لا يناقشون القضايا الخلافية ، بل يصبون جام غضبهم على الشخص ويتهمونه بأسوأ الاتهامات ويصفونه بأقبح الأوصاف، ومنها العمالة والخيانة الى آخر قاموس الشتائم المعروفة.
لكن للأمانة لا بد من الاشارة في هذا السياق الى أن بعض قادة الحكم وكبار مسؤوليه ليسوا غارقين في مأساة "شخصنة" الخلافات .
أذكر أن وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء السيد كمال عبد اللطيف الذي كان جالسا الى جوار باقان أموم عندما خاطب الصحافيين العاملين في الخارج على هامش مؤتمرهم الثاني في السودان أشاد بايجابيات باقان و ما معناه عفة لسان باقان، وكانت تلك لفتة طيبة تحسب لكمال عبد اللطيف الذي لم يتردد في الاشارة الى سمة ايجابية في شخصية باقان المغضوب عليه من صقور حزب المؤتمر الوطني، والمحبوب لدى قطاع عريض من عشاق الشفافية والمهمشين كما أعتقد .
أعتقد أيضا أننا في السودان محتاجون الى عدم شخصنة القضايا، وأننا محتاجون الى تعزيز نهج الشفافية بعيدا عن الاتهامات والعنتريات والادعاءلات، حتى ينجح السودانيون في معالجة قضايا الساعة بروح وفاقية تمهد لانتخابات حرة ونزيهة، وهنا المحك والتحدي الأكبر لصدقية قادة الحكم الحاليين.
وهاهو باقان في حواري معه الذي نشرته "الحياة" اللندنية يعبر عن الأمل في حدوث تطورات تنزع "الفتيل" في اتجاه بسط الحريات لمواجهة استحقاقات الانتخابات الحرة النزيهة واستحقاقات التحول الديمقراطي وتحقيق تسليم السلطة للشعب السوداني.
الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان حذر من أية محاولة لحزب المؤتمر الوطني لاعادة ما وصفه بديكتاتورية الانقاذ"، كما دافع عن أحزاب المعارضة التي اجتمعت في جوبا.
باقان نفى أن تكون الحركة الشعبية وأحزاب المعارضة لا تريد الانتخابات، وقال إن كل القوى التي اجتمعت في جوبا تريد انتخابات حرة ونزيهة، مشددا على وجود تخوف من محاوات حزب المؤتمر الوطني تزوير الانتخابات المقبلة.
الحديث مع باقان ممتع للصحافي الباحث عن رؤية شفافة ورأي صريح وموقف نابع من حرص على بناء سودان جديد تسوده الحرية والعدالة والمساواة، وتختفي فيه المظالم والأحقاد والمؤامرات المتبادلة بين أبناء الوطن الجريح.
قناعتي دوما أن الأصوات الجريئة والشجاعة والشفافة والرصينة أيضا هي التي تخدم الوطن أكثر من الأصوات التي تتهرب من حقائق الواقع.
قناعتي أيضا أن دعوات باقان أموم وقادة الحركة الشعبية لتحرير السودان وغيرهم التي تنادي بحل المشكلات العالقة والقضايا التي لم تنفذ في اتفاق السلام هي دعوات تحب الخير للسودانيين، وتسعى لبناء مرتكزات جديدة، لوطن جديد، معافى، لا مكان فيه للظلم والاستعلاء والاستبداد.
الكلام الذي يوجع قد يفتح ويعزز دروب الحوار والتلاقي، كما يقوي خطانا في سبيل غد مشرق ومستقبل واعد، يرتاح فيه السوداني والسودانية من رحلة شقاء طويلة، بسبب عدم الاستقرار السياسي، وما أكثر مواجع السودانيين من عدم الاستقرار في كل مجال من مجالات الحياة.
برقية:لا تضيعوا فرص الحوار مع قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان وقادة المعارضة، لأن قتل فرص الحوار أو إضاعتها يعني سقوط السودان والسودانيين أكثر من أي وقت مضى في مستنقع التفكك والضياع والتخلف .
عن صحيفة (الأحداث) 6-11- 2009