النفط و الثراء
9 November, 2009
أخذت أسعار النفط في الارتفاع مرة اخري و هي الان تتأرجح بين الثمانينات و السبعينات من الدولارات للبرميل للخامات القياسية. بالرغم من ان ارتفاع أسعار البترول يوفر عائدات للدول المنتجة لكن المستفيد الاكبر من ارتفاع الأسعار هو الدول الغنية ، أي الدول الصناعية الكبري. من هنا يطرح السؤال هل يجلب النفط الثراء؟ الإجابة ان ذلك لا يحدث. فليأت الناس للإثبات بلغة الأرقام و بمقولة " الحساب ولد " ، من ابسط الارقام ان ميزانية البنتاغون للعام 2009 قد تجاوزت 517 مليار يذهب جزء كبير منها الي الحرب في العراق و افغانستان و يتم تسديد الفواتير علي حساب شعوب تلك الدول و مواردها ، و علي حساب فقراء العالم. معظم الدول المنتجة للبترول دول من العالم الثالث خاصة في الشرق الأوسط و المكسيك و فنزويلا و بعض الدول الإفريقية مثل نيجريا ، الكاميرون ، الغابون ، انجولا و أخيرا انضم السودان لتلك الدول ، رغم قلة إنتاجه بسبب تراجع القطاعات الاخري و ضمورها تنمويا.
لماذا لا يعود النفط بالثراء علي الشعوب؟ لان الحكومات هي التي تسيطر علي الموارد البترولية و تقوم بتوزيعها حسب رؤيتها و مصالحها التي ، ليس بالضرورة ان تتطابق مع المصلحة القومية بشكل مؤثر. انظروا الي معظم الحكومات في الدول المنتجة للبترول في العالم الثالث ، ما هي طبيعتها ؟ كيف وصلت الي السلطة ؟ ما هي اهتماماتها و أولوياتها؟ ستكون الإجابة بعد ذلك واضحة. صحيح ان الدول المنتجة استفادت من البترول في البنيات التحتية و في تحسين المستويات المعيشية بشكل ارتفع بها الي اعلي من ما كانت عليه. لكن تلك الحقيقة لا تنطبق بإطلاقها علي جميع الدول المنتجة. هناك عدد كبير من الدول المنتجة للبترول لم تتخلص من الفقر بل ان معدلاته في ارتفاع مستمر في معظم تلك البلدان ، خاصة مع موجات التضخم و ارتفاع أسعار الغذاء و أخيرا مع تبعات الأزمة الاقتصادية المستمرة حتى الان.
من جانب اخر احدث انتاج البترول استقطابا اجتماعيا لفئات و طبقات معينة مرتبطة بنظم الحكم استطاعت السيطرة علي النصيب الاكبر من عائدات البترول و تكوين ثروات جعلت منها مراكز ضغط لا تستطيع الحكومات منها فكاكا. شيء اخر هو ان انتاج البترول و عائداته الوفيرة قد احدثت خللا هيكليا في كثير من اقتصاديات البلدان المنتجة له ، أصاب ذلك الاقتصاد بعلل و اختلال ، يمكن القول بان اخفها هو المرض الهولندي. السبب في تلك الاختلالات هو انعدام العدالة في قسمة الثروة و عدم الاهتمام بالتنمية المتوازنة و التنمية البشرية و تدمير البيئة الطبيعية. كانت النتيجة في كثير من الاحيان تحرير الاقتصاد و خروج الدولة حتي عن توفير السلع و الخدمات الاجتماعية مما جعل قطاعات واسعة من السكان بعيدة عن الاستفادة من خدمات التعليم و الصحة الراقية مما تسبب في تدني القدرات و المهارات و تفشي البطالة ، خاصة الفنية و الهيكلية وسط الشباب و العاملين الذين يتأثرون من الخصخصة و إعادة الهيكلة. اخيرا فان ارتفاع تكاليف الانتاج و الغلاء قد تسبب في تدني القوة الشرائية حتي لدي الطبقة الوسطي و ادخل انواعا جديدة من التوتر و التراكم الاجتماعي السالب .
الان نجد معظم الفائض من عائدات صادر البترول في البنوك الغربية و يعاد تدويره و استثماره هناك ليولد قيما مضافة معتبرة لتلك الدول ، يعوضها ذلك بمرات عن ارتفاع أسعار الخام. تسبب ذلك في خسائر كبيرة للدول النامية بسبب الازمة المالية العالمية و انخفاض اسعار الدولار. لم تجدي مع ذلك جميع المحاولات التي بذلت لجذب الاموال المتراكمة بالغرب رغم احداث 11 سبتمبر و الازمة المالية و التضييق بمختلف اشكاله. السبب في كل ذلك هو ان الانظمة الحاكمة في معظم الدول النامية المنتجة للبترول فشلت الي حد بعيد في تهيئة الأجواء اللازمة للاستثمار الاجنبي من تشريع و اسواق و بنيات تحتية و خدمات و استقرار اقتصادي و سياسي و اجتماعي. هكذا ظلت الثقة مفقودة بين تلك الدول و التدفقات الاستثمارية المنتجة و أصبح أهم ما يميزها الاستهلاك التفاخري و نمو العمالة الأجنبية ، الماهرة و غير الماهرة ، و اذا لم يتم تغيير الأوضاع السياسية و الاجتماعية بشكل جذري فان الوضع الاقتصادي لن يصل الي مستوي إشباع الحاجات الأساسية للسكان ناهيك عن تحقيق الثراء.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]