سواعد حين يجد الجد تطيح … بقلم: محمد المكي ابراهيم

 


 

 

 

على عهد السلطنة الزرقاء كان الشمال السوداني مخزن غلال البلاد ومصدر طعامها المضمون إذ كان نهر النيل يوفر الماء لأراضيه الخصيبة وكان مناخه المعتدل أفضل مناخ لزراعة النخيل والفاكهة والحبوب وقد عاش قومي في تلك النواحي حتى جاءت التركية وفرضت قهرها وضرائبها المجنونة على المزارعين فهلك من هلك ونجا بنفسه وأهله من خرج إلى كردفان ودارفور.وقد كان قومي بين من هاجر ووجد العز والإكرام من سلاطين الفور والمسبعات واقطعنا هؤلاء الاخيرون إقطاعا رائعا في شمال كردفان يعرف باسم الخيران يشتمل على بارا والبشيري والرغاي وأسحف والطويل والحمرة والبويرة وغيرها من قرى تلك النواحي .وقد عشنا في كنف ذلك الكرم الفياض وسعدنا وتكاثرنا وتبنينا السحنة الكردفانية ميسما لنا وأصبحنا غرباويين بالميلاد وظل ذلك دأبنا حتى ظهرت دعوة الإمام المهدي ونداءه لأهل الغرب بالتوجه شرقا للقضاء على حكومة الأتراك المتمصرين في الخرطوم. ومن بعد الإمام أمرنا خليفته بالبقاء في بقعة المهدي فخططنا مضاربنا في حي السيد المكي حيث لا يزال مقيما معظم أهلنا وعشيرتنا. وإثر ذلك جاء الاستعمار وفي أول سنواته أمر بتبديد شمل البقعة المباركة وتهجير الناس منها إلى أوطانهم الأصل.ولم يكن لنا من وطن أصل سوى كردفان فخرج شيخنا وكبيرنا السيد المكي ابن الولي إسماعيل الكردفاني عائدا إلى الأبيض وأجدادنا في صحبته أو على آثاره.وهكذا تعرض قومي لثلاث هجرات في مدي لا يزيد عن ثلاثة قرون . وهكذا أصبحنا من أهل الشمال وأهل الغرب وأهل الوسط وصار لنا أهل وأصهار من كل قبائل السودان ويعني ذلك أن لا احد يستطيع أن يرمينا بداء القبلية أو الجهوية إذ لا يستقيم أن ننحاز ضد فئة –أيا كانت- هي عمومتنا أو خئولتنا  أو خئولة أولادنا وأحفادنا.وربما لذلك ساءني ما كتبه ذلك الدكتور الجامعي زاعما أنني صرحت ببغضي لأهل الجزيرة في تلك القصيدة ذات الخمسين ربيعا والتي عنوانها قطار الغرب. ولقد صبرت على إساءته صبر النبي أيوب وتركته يعربد ما شاء له شبابه الغر واللقب العلمي الرفيع الذي أسبغه على نفسه أو أسبغه عليه أغرار آخرون .وقد دأبت مع صاحبي مصطفي البطل على الصبر والتجمل لحملة تلك الألقاب الذين لا يدرون أنها أصبحت في هذا الزمان عملة غير مبرئة للذمة وانه لا مبرر للاغترار بها  فلو جمع صاحبي البطل مقالاته في كتاب لاستحق عليه درجة أعلى مما يتفشخر به بعض من لم يؤلفوا ولم ينشروا شيئا على الناس(أنظر مقاليه:رجال حول حرف الدال والبروفسورمنو).وفي كل الأحوال ليس من حق من نال الدكتوراه أو الأستاذية أن يعتدي على الناس بأثر رجعي وان لا يكتفي بنقد أعمالهم بل يذهب إلى تجريح ذواتهم واتهامهم بتفضيل بعض الناس على بعضهم الآخر.وقد اعتدى هذا الذي نسيت اسمه على قصيدة اكبر منه سنا ولها بين أهل الجزيرة عشاق ومحبون.وكنت استفتيت في أمرها الدكتور عبد اللطيف البوني (أعاد الله علينا قلمه الرشيق) فقال إنها كانت أول ما رأى من اثر مكتوب يعترف بان أهل الجزيرة المروية فقراء ومحرومون بينما يتصورهم الآخرون في بحبوحة يحسدهم عليها بقية أهل السودان. ولم يخطر للفتى المقصود أن لي بين أهل الجزيرة أهلا وبيني وبينهم رحما موصولا.

لقد جاءت ساعة الحسم وها هم أهل الجزيرة يتعرضون للتشريد بعد أن تعرضوا للإفقار المنظم.وقد قالت عنهم القصيدة:

الشيء المفرح أن لهم آذان

وعيونا تعرف لون اللص الرابض للقطعان

وسواعد حين يجد الجد تطيح

وها هو قد جاء أوان السواعد فهل يحتمي صاحبي بلقبه العلمي الرفيع ويستنيم أم انه مثلي سيقف مع أهل الجزيرة منافحا عن بيضتهم ودنياهم التي فيها معاشهم.وعبرة الأمور بخواتيمها فهأنذا أعلن

انحيازي للجزيرة ومشروعها الذي من المؤكد ان يكون قد هيأ لنا مقاعد الدرس او ساهم في ذلك حين كان السودان كله يعتاش من إسهامات الجزيرة المروية  فهل تراه يسعدني ويفعل ام يختبيء امام اللقب الذي لا ادري من منحه إياه.

 

Ibrahim Elmekki [ilmekk@yahoo.com]

 

آراء