الموازنة تهيج الأسعار

 


 

د. حسن بشير
14 November, 2009

 

اشتمت الأسواق رائحة ما في المناقشات الدائرة الان حول الموازنة العامة للعام 2010 فارتفعت الأسعار في هيجان جنوني وصل الي حد مخيف. ما هي " تلك الرائحة " التي صاحبت مناقشات الموازنة التي دفعت الاسعار الي الجنون. في كل عام تتكرر ظاهرة ارتفاع الاسعار مع توقيت الإعلان عن الموازنة ، لدرجة يمكنك اذا أردت التاثير علي الاسعار ان تقف وسط الخرطوم و تصرخ " موووازنااااه " فتجد مؤشر الأسعار يرتفع نحو السماء.  هناك اسباب اخري معظمها ذو علاقه بالحكومة يؤدي الي ارتفاع الأسعار. اهم تلك الأسباب ارتفاع تكاليف الانتاج، اضافة لعدم تدخل الحكومة بشكل سريع للتدخل بشراء المحاصيل المتوفرة في موسم الإنتاج و منع الاحتكار و يدفع ذلك قلة من التجار لاحتكار تلك المحاصيل و التحكم في أسعارها أوقات الندرة.

ندرة هذا العام في المواد الغذائية ندرة غير طبيعية ، بمعني انها ندرة ناتجة عن نقص غير طبيعي في الانتاج و ليست تلك التي تؤدي الي زيادة الطلب. من الغريب حديث بعض المسئولين الحكوميين و خبراء عن الطلب.  من اين يأتي الطلب؟ لم تحدث زيادة في الاجور و المرتبات و لم يتم اطلاق وعود بها في الموازنة . لم تحدث أي زيادة في مكاسب عناصر الانتاج لا في العمل و لا في الزراعة و لا في الصناعة. الدخول لا تفي بالاحتياجات الاساسية و الزراعة و الصناعة في كساد مميت و مستويات التضخم في ارتفاع مستمر مما يقلل بشكل كبير من القدرة الشرائية. اذن لا توجد زيادة في الطلب للأغلبية الكاسحة من المواطنين بل هناك تدهور كبير في مستويات المعيشة. اذا كانت هناك زيادة فيمكن البحث عنها في الطلب الحكومي و عند الأقلية الميسورة ( ال 5 % من السكان ) . اسأل نفسك هل زاد طلبك علي المواد الغذائية؟ هل زاد طلب جيرانك و اهلك و زملائك في العمل؟ هل انتقلتم من " صحن الفول " الي " بوخ الشواء " و اللحوم البيضاء؟ هل توسعتم في استهلاك السكر لصنع التورتات و الجاتوهات؟ بالتأكيد لا توجد زيادة في الطلب و إنما نقص في الغذاء و الدخول.

 لا بد من البحث عن الاسباب التي تدفع الاسعار نحو الارتفاع كل عام بالتزامن مع اجازة الموازنة. هل يعتبر ذلك الحدث موسم حصاد للرأسماليين و الطفيليين لاصطياد فائض ما؟ ربما يكون واحد من الاسباب هو شروع الحكومة بالافراج عن الكثير من المستحقات المالية المجمدة و اطلاق السيولة لتسوية بعض الحسابات في اخر العام. هناك ايضا تزامن في الإعلان عن الموازنة مع نهاية الموسم الزراعي الصيفي و عيد الأضحى المبارك لان الكسب في السودان شديد الارتباط بالمناسبات. لكن السؤال هنا هو : اين دور الحكومة في كل ما يحدث؟ ام ان الامر لا يهمها في شيء؟ كيف يمكن ان يقترب ثمن جوال السكر من 200 جنيه و ان يصل جوال البصل الي 175 جنيه و ترتفع اسعار الخضروات و الالبان و زيوت الطعام الي الحد الذي يدخل الملايين الي الجوع المزمن؟ ما هي الفائدة اذن من الموازنة و البرامج الاقتصادية اذا اصبح الفقر يحصد الناس حصدا ؟ و اذا كانت تلك الموازنات و البرامج و المشروعات لا تنعكس ايجابا علي حياة الناس؟ ما مصلحة المواطن البسيط من كل تلك الضجة؟ من الافضل ان تجاز تلك السياسات و البرامج في اجتماعات عادية و ان ينفض المجلس الوطني و تذهب مخصصات النواب لشراء الذره و ان تذهب الحياة السياسية في اجازة الي ان يسود وضع يستطيع فيه الناس الحياة بشكل طبيعي، لان ما يحدث الان امر لا يطاق. عموما لا امل في صلاح الحال الا بعد ان تذهب 70% من النفقات العامة للتنمية ، منها علي الاقل 50% للزراعة ، و هذا حلم بعيد.

 

Dr.Hassan.

hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء