جمهوريات الكوره
21 November, 2009
لم يكن اكبر المتفائلين يتوقع للسودان مثل هذا النجاح في ادارة المباراة الفاصلة بين مصر و الجزائر في التنافس علي البطاقة الإفريقية الأخيرة المؤهلة لكأس العالم في جنوب افريقيا العام 2010م. كان الظن ان حدة التنافس بين البلدين مردها الحصول علي شرف تمثيل القارة السمراء في اكبر عرس رياضي تقوم بتنظيمه في التاريخ. لكن اتضح ان الامر لا علاقة له من بعيد او قريب بالشرف او الرياضة. النجاح الاكبر يجب ان يسجل لقوات الشرطة التي تحملت العبء الاكبر في المحافظة علي الامن و النظام طوال فترة اعداد و اقامة المباراة و امنت بنجاح مسارات الخروج و انسياب الحركة للجماهير الغفيرة القادمة من البلدين الي حين وصولهم بسلام الي أوطانهم. لم يكن الامر سهلا و لكن الشرطة نجحت بامتياز في مهامها بشكل لم يحدث في البلدين الضيفين أثناء إقامة المباريات بأرضهم. كذلك سلطات المطار اصابت درجة عالية من النجاح في تأمين دخول و خروج القادمين و تسهيل اجراءات استقبالهم و وداعهم. الامر تم بشكل كبير من النجاح بالنسبة لفريق المريخ الذي تحمل خسائر كبيرة جراء اقامة المباراة باستاده و كذلك الاتحاد العام رغم المشاكل التي صاحبت اعداد و بيع تذاكر المباراة . لم تكن تلك مهمة سهلة كما توقعنا ذلك قبل المباراة لكن السودان نجح في تنظيمها كما لم ينجح من قبل.
لم يجد كل ما قام به السودان من حسن التنظيم و كرم الضيافة و ضبط الامن و النظام و التنازل عن الكثير من الحقوق المشروعة في الاجراءات و الرسوم و الحزم القانوني، لم يجد الشكر و انما قبول بجحود و انكار للجميل و كم هائل من الاهانة و التحقير ، بشكل لن تستطيع الذاكرة نسيانه ولا الزمن تجاوزه و انما سيورث من الاباء للبنين و الاحفاد ليصبح في الذاكرة الوطنية لشعب السودان الذي لا يستطيع التنازل لأحد عن كرامته. القدح المعلي في الشتم و الاهانة كان للإعلام المصري بمختلف قنواته و مصادره. لم يكن ابراهيم حجازي وحده المتجني و انما اشتركت في ذلك الاغلبية المطلقة لأجهزة الإعلام المصرية بمختلف انواعها مع استثناءات بسيطة مثل قناة الحياة. اشترك في الاساءة مع قناة النيل الرياضية كل من دريم و اوربت و المحور و القنوات الرسمية واسعة المشاهدة في السودان. كما صاحب تلك الجوقة طابور كبير من السياسيين و الفنانين و الرياضيين ، منهم من دعي الي تدخل قوات بلاده لحفظ الامن و منهم جاء بكذب فاضح. المؤسف ان مسئولين كبار شاركوا في الحملة الجائرة منهم الوزراء و أبناء الحكام و صناع الرأي. لا ننسي هنا مواقف مشرفة مثل ما قام به الفنان تامر حسني و الرياضي العملاق احمد شوبير اللذان أنصفا السودان فتمت مقابلتهم بالتكميم و الشتم. ان الشخص ليعجب كيف لشعب عظيم مثل الشعب المصري ان يكون لديه مثل هذا الاعلام الهابط الغارق في الاسفاف و الذي يمكن ان يوصف ببساطة ب " الاعلام الكذاب ". كذلك الاعلام الجزائري لم يقصر في الشحن الزائد و تأجيج المواقف الا انه ، و الحق يقال لم يصل الي الدرك السحيق من السوقية الذي أدركته معظم أجهزة الإعلام المصرية. هل وصلت الحرية في البلدين الي هذا الحد المتقدم؟
يستحق بذلك البلدان هما اكبر الدول العربية من حيث السكان و المساحة ، ان تطلق عليهما تسمية "جمهوريات الكورة" علي غرار ما كان يطلق علي بلدان في امريكا الجنوبية عندما كانت مسرحا للتآمر و فناءا خلفيا لأجهزة الاستخبارات الأمريكية " جمهوريات الموز". كانت جل ما تستطيع تلك الجمهوريات إتقانه هو إنتاج الموز و تصديره رغم توفر الموارد لديها. لكن تلك الجمهوريات تطورت و أصبحت تحقق انجازات يحتذي بها. اما جمهورياتنا هذه فيحق لها ان تفاخر بما تحققه من انجاز في الكورة و ان تضيفها الي رموزها الوطنية و تدخلها في دروس التربية الوطنية كأعظم انجاز للأمة.
بالرغم من ما كسبه السودان من سمعة جيدة في الأوساط الإقليمية و الدولية التي تحترم الآخر و تقدر انجازاته و لا تعاني من امراض العظمة و تفشي النزعات العنصرية ، لكنه تعرض للعديد من الخسائر مادية و معنوية. من اهم الخسائر تكاليف الاستنفار الامني و الاجراءات التنظيمية اضافة للخسائر باستاد المريخ و صالات الحج و العمرة و المنازل و الفنادق و غيرها من منشآت. يجب استيعاب الدرس و المطالبة مستقبلا بالفاتورة الكاملة مقابل كل ما تقوم به البلاد دون التنازل عن حق و دون اعتبار " لاخ " او " شقيق " ، و يجب ان نتقن لغة السوق في معاملاتنا في مختلف المجالات بما فيها الفنية و الإعلامية و الرياضية و (كفايه بقي تحمل إساءات إخوة لا يرحمون ".
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]