ثقب دبي … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم
1 December, 2009
لم تنتهي مفاجآت الأزمة المالية العالمية. بعد نبرات التفاؤل و الحديث عن التعافي الاقتصادي و تسجيل مؤشرات ايجابية للنمو الاقتصاد تفاجأ العالم بضربة مباغتة في واحدة من مناطقه الاكثر حساسية. ذلك ما جعل ضربة دبي العالمية مؤلمة و ان لم تكن قاتلة و لكن تأثيرها امتد الي الاسواق العالمية و الي مناطق صنع القرار الاقتصادي العالمي. يشبه ما حدث لدبي العالميه بسبب تداعيات الازمة المالية العالمية ما جري لطبقة الأزون جراء التلوث البيئي الذي اصاب الارض. هنا نجد ثقب دبي في الجسد الاقتصادي مشابها لحد ما لثقب الأزون من ناحية قرعه لناقوس الخطر حول ظاهرة ستتسبب في الكثير من المشاكل ان لم يتم التصدي لها بشكل جدي و ايجاد العلاج الناجع و منع انتشارها و تفاقمها.
خطورة ما اصاب مجموعة دبي العالمية في كونها من الشركات الضخمة التي تمتلك الحكومات حصص كبيرة جدا فيها و بالتالي تعبر، ليس فقط عن القدرة المالية و الكفاءة الإدارية و الائتمانية للشركة و انما ايضا للجهة التي تمتلكها و هي في هذه الحالة حكومة أمارة دبي. تتكون مجموعة دبي العالمية من عدد من الشركات المهمة منها شركات كبري تعمل في الاستثمار العقاري مثل "نخيل العالمية" و" ليمتيلس العالمية" ، هناك ايضا شركات اخري منها " انفتنتي العالمية القابضة " ، " شركة استثمار العالمية " ، " شركة عالم المواني و المناطق الحرة " ، يضاف اليها عدد من الشركات التابعة و من اهمها " شركة مواني دبي العالمية " ، " شركة عالم المناطق الاقتصادية " شركة عبارات بي اند او " و شركة " منطقة جبل علي الحرة" . كانت جميع تلك الشركات تصنف بانها " ذات وضع مالي جيد " بالرغم من الازمة المالية العالمية.
بعد ان عجزت مجموعة دبي العالمية عن الوفاء بالتزاماتها الخاصة بالديون و طلبت مهلة لمدة ستة أشهر، شهدت الاسواق الخليجية و العديد من اسواق المال العالمية اضطرابات و تذبذب في المؤشرات بشكل اثار القلق في الدوائر الاقتصادية العالمية و بشكل خاص في اوربا و الولايات المتحدة الامريكية. يلاحظ وجود نفس النبرات التي صاحبت ازمة الرهن العقاري و بداية الازمة المالية العالمية. ارتفعت الاصوات متحدثة عن انعدام الشفافية ثم تعالت صيحات الإنقاذ ، ضخ السيولة و إعادة الهيكلة. حتي كتابة هذا المقال نهار الثلاثاء الاول من ديسمبر 2009م اعلنت المجموعة ان هناك اعادة هيكلة ، من خمس مراحل ، ستطال اثنتين من كبريات الشركات المكونة للمجموعة هما شركتي نخيل العالمية و ليمتيلس العالمية العاملتين في مجال الاستثمار العقاري. حدث ذلك بعد ان تم تقدير الديون المستحقة علي المجموعة بمبلغ 26 مليار دولار. ستشمل اعادة الهيكلة تخطيط الاعمال ، تحديد حجم الاعمال المناسب الذي يمكن عنده تحقيق الارباح و توليد السيولة ، تقييم خيارات تسديد المديونية بما فيها إمكانية بيع الأصول ، تقييم احتياجات التمويل و وضع مقترحات لخطة إعادة الهيكلة و عرضها علي الدائنين و من ثم تنفيذها.
اشار بيان صادر عن مجموعة دبي العالمية صباح الثلاثاء الاول من ديسمبر الي بدء مناقشات اولية بين " دبي العالمية " و المصارف الممولة و أعلن ان الامور تسير بشكل بناء و في ضوء التحديات التشغيلية الراهنة و الالتزامات المستقبلية للمجموعة. من جانب اخر تم الاعلان عن تقدم نخيل العالمية بالطلب من حملة صكوكها بتعيين ممثل رسمي لهم يمثلهم في " المناقشات" . تم الكشف ايضا عن تعيين المجموعة لشركة " موليز اند كومباني " لتقديم الاستشارات اللازمة حول اعادة الهيكلة ، اضافة لشركة " روثتشايلد " كمستشار مالي للمجموعة و تمت تسمية رئيس لاعادة الهيكلة ، من المفترض ان يقود عمليات تقييم و تطوير و تنفيذ مجمل العمليات الخاصة باعداة الهيكلة بهدف الوصول الي معالجة التحديات المالية و التشغيلية و التنظيمية التي تواجه المجموعة بشكل يضمن كفاءة أدائها المستقبلي.
لقد نشأت الازمة المالية في الولايات المتحدة الامريكية و انتقلت الي بقية العالم و ربما ستتمركز بشكل اساسي في مناطق بعيدة عن المصدر و لكنها متصلة به. حدث ذلك ايضا في تقب الازون الذي تكون نتيجة للتلوث الحاد و الانبعاثات الخاصة بغاز الكلوروفلور كربون ( غازات الفريون ) و اكاسيد النيتروجين و الهالونات ، في النصف الشمالي من الكرة الأرضية ، لكن الثقب تكون فوق القطب الجنوبي. تم تفسير ذلك بان الغاز المستنزف للأوزون يتفاعل مع ظاهرة وجود تيارات دائرية من الرياح
تدور حول القطبين مما يسفر عن تركيز الضرر هناك ، لان منطقة القطب الجنوبي
هي قارة واسعة مساحتها ضعف مساحة أستراليا
ومن الطبيعي أن تشتد ظاهرة الرياح الدائرية حولها
وتتفاعل مع غاز الكلوروفلور كربون فتحدث ثقب الأوزون فوق القطب الجنوبي
بينما تكون الأضرار أخف حول القطب الشمالي
لفارق المساحة وسرعة ظاهرة الرياح الدائرية حول القطبين. يتكون رابط الان بين الظواهر الطبيعية و المالية المرتبطة بالنشاط الاقتصادي للإنسان ، هناك ايضا حركة دائرية للأموال كانت دبي تأمل من خلال استثمارها ان تنوع من النشاط الاستثماري في المنطقة ، لكن العلة تكمن في اصابة جسد الرأسمالية المالية بالعطب مما احدث ثقبا كبيرا في واحدا من أهم المراكز المالية الناشئة . نستنتج من كل ذلك ان الأزمات المالية لن ترحم النظام التمويلي و الائتماني القائم اليوم و المعتمد علي توريق الأصول و الديون ، الأمر الذي يستدعي البحث عن منهج جديد للعلاج و الاصلاح في النظام الاستثماري و التمويلي الدولي و إصلاح النظام المالي و المصرفي العالمي في جوهره. بدون ذلك الإصلاح لن تفيد الحوافز الضخمة و لا توظيف الأموال بلا حساب. لقد كان ثقب دبي نتيجة حتمية للتوسع في الاستثمار العقاري المعتمد علي التوريق في عمق الأزمة المالية العالمية و كما سبق ان اشرنا كثيرا فان الهزات الارتدادية للازمة المالية لن تتوقف في المدي المنظور و ربما تتسبب في انهيارات أعمق مما حدث حول مجموعة دبي العالمية.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]