رحيل شتيرليتس

 


 

د. حسن بشير
7 December, 2009

 

د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم ( كتب بتاريخ 5 ديسمبر 2009م )

     لن تجدوا شخصا عاش في الاتحاد السوفيتي خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي و ما قبله لم يشاهد مسلسل " سبعة عشر لحظة من لحظات الربيع" . انه مسلسل يحكي عن امجاد الاستخبارات السوفيتية خلال فترة الحرب العالمية الثانية و مساهمتها الجبارة في دحر النظم النازية و الفاشية في اوربا و تخليص البشرية من نيرها. يحكي المسلسل في سبعة عشر حلقة عن ضابط برتبة رفيعة بالقوات الخاصة الالمانية و يعمل في شعبة مكافحة الجاسوسية. لكن في الواقع لم يكن ذلك الضابط (شتيرلتس) ، الذي جسد دوره الراحل فياتشيسلاف تيخونوف ، الا مواطنا سوفيتيا قد تم تنويمه في العمق الالماني منذ زمن طويل و عاش هناك كالماني باسطورة محكمة السبك. استطاع ذلك الشخص الالتحاق بالاستخبارات الالمانية و الترقي فيها الي ان وصل لرتبة رفيعة و اصبح مقربا من راس ال (SS ) ، سيء الذكر مولير.

     كان ذلك المسلسل يعرض سنويا تقريبا ، و بمجرد اتقاني للغة الروسية و دخولي في المجتمع اللينينغرادي ( سانت بطرسبورغ قبل الثورة البلشفية و بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ) ، أصبحت حريصا علي مشاهدة ذلك المسلسل سنويا ، بل و كنت حريصا علي اغتناء نسخة منه عند عودتي بعد انتهاء فترة دراستي هناك. سبب جاذبية ذلك العمل الدرامي هو جودة الحبك الدرامي و اتقان صنعته الفنية إضافة للكراهية التي يحملها جيلنا لكل ما هو فاشي او نازي بعد ان وقفنا ، و بالدليل القاطع علي الفظائع التي ارتكبتها تلك الأنظمة ضد البشرية و ما تحمله من قيم للعنصرية المقيتة و احتقارها للإنسانية. يضاف ذلك لقناعاتنا المرتبطة بثورات التحرير الوطني و ما يكمن في الفكر الاشتراكي من قيم العدالة الاجتماعية و  الأنعتاق  من الاستعمار و التبعية و التخلف الاجتماعي.

      لكن هناك بعدا مهما من الجاذبية و التشويق في ذلك العمل يرجع الفضل فيه للسحر و روعة الشخصية و رونقها الذي كان يتمتع به بطل العمل. لقد كان فياتشيسلاف تيخونوف  واحدا من أعظم الممثلين في تلك الحقبة  وقد مثل في أكثر من خمسين عملا سينمائيا إضافة لعدد من المسلسلات التلفزيونية و المسرحيات. لقد رحل ذلك الفنان الكبير الذي ابدع في " الحرب و السلام " في دور الأمير اندريه بولكونسكي ، وهو اهم أبطال رائعة الكاتب الروسي العظيم ليف تولستوي ، و قد جسد فيه المؤلف روح النبل و التضحية و الأناقة المحيطة بطبقة النبلاء الروس. لقد رحل تيخنوف عن عمر يناهز ال 82 عاما في 4- 12- 2009م ، مخلفا وراءه إرثا فنيا غنيا و متنوعا  للإنسانية في كل مكان.

      قصة ذلك الرجل في غاية التواضع تحكي واحدة من مزايا النظام السوفيتي السابق الذي يواجه اليوم بالذم و بالكاد يشار لحسنة من حسناته او فضلا من أفضاله. ولد تيخنوف في بلدة صغيرة بضواحي موسكو تسمي (  بافلوفسكي بوساد  ) في 18 فبراير 1928م لاب عامل. عمل في بداية حياته خراطا في مصنع حربي قبل ان يلتحق بمعهد السينما بموسكو و التحق بعد تخرجه لمدة سبع سنوات بالعمل في احدي مسارح موسكو قبل ان يعمل بالسينما و يبرع فيها. لقد ترك تيخنوف ارثا فنيا غنيا  من افلام درامية و كوميدية و اعمال تلفزيونية و مسرحية تعتبر ثروة للبشرية  في كل مكان و بما انه من الصعب التدليس في الفن خاصة بعد رحيل مبدعيه فيمكن الرجوع الي أعماله و الحكم عليها بعد المشاهدة. توفر التقنيات الحديث فرصا كبيرة لذلك في عالم اليوم. بينما نجد الأخبار عن فناني هوليوود في حياتهم و مماتهم - من صغر منهم و من كبر - تملأ الدنيا ، لزم التنويه لواحدة من القمم الفنية العالمية التي من الصعب العثور عليها في وسائط الإعلام الغربية و  الإعلام العربي التابع لها.

Dr.Hassan.

hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء