صورة رقمية ، للعقل الدبلوماسي العربي!!
16 January, 2010
معادلات
• في كثير من القضايا الراهنة ، يبدو جليَّاً حرص السودان على ربط حصانه بعربة الدبلوماسية العربية المعطوبة ، تلك التي يجُرُّها عشرون حصاناً ، يتخير كل منها وجهتهُ الخاصَّة ، فتتمزَّع العربة أشلاءً ..
• ولئن كان الفشل العربي ، عسكرياً ، يجدُ أحياناً من يلتمسون له الأعذار والمبررات ، بالتفوق العسكري للعدو ، فإن الفشل الدبلوماسي الصارخ للنظام العربي ككل ، لا يمكن تبريرُه بأي عامل خارجي أو داخلي ، سوى تخلف "العقل الدبلوماسي" العربي ، و ارتهانه إلى عصور موغلة في التاريخ .
• العمل الدبلوماسي لا يحتاج إلى موازنات خاصة ، كتلك التي يحتاج إليها العمل العسكري ، ولا يحتاجُ إلى تطور تقني أو صناعي ، حتى يسوغ القول أن الغرب يتقدمنا دبلوماسياً بما أوتي من بسطةٍ في الثروة ، أو بسطةٍ في الصناعة والتقنية .. إذ لسنا بحاجة إلى ما هو أكثر من خطاب ذكي محسوب ، و"إعلان" مواقف مبني على حسابات دقيقة ، تستصحب الأفعال وردودها ، وتستثمر الأثنين معاً بما يخدم مصلحة الأُمة .. لستُ مولعاً بالإنشاء والتعالُم ، ولكن أمامي ، بل أمام العالم كله ، مثال صارخ على فشل الدبلوماسية العربية ..
• المشروع النووي الإيراني ، من حيث شاءت إيران أو لم تشأ ، قدم فرصةً ذهبية للدبلوماسية العربية لكي تستثمر كل ما أحاط بهذا المشروع من مواقف وتداعيات ، وكان من شأن التناول الدبلوماسي الذكي لهذه القضية أن يشكل ضغوطاً كبيرة على إسرائيل وخادمتها الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي ، و يقدم دعماً كبيراً للموقف التفاوضي العربي بخصوص القضية الفلسطينية .. ولكن الغباء الدبلوماسي العربي حوَّل هذه الفرصة التي أتاحتها إيران ، لصالح إسرائيل و وصفائها !!
• العرب لم يكونوا ليخسرون شيئاً ، لو أنهم أبدوا موقفاً مغايراً للذي يتخذونه اليوم تجاه المشروع النووي الإيراني ، خصوصاً وأن موقفهم ، أيَّاً كان ، لن يغيِّر من مسار أو مستقبل هذا المشروع .. فالأمرُ في الحالين لا يعدو كونهُ "تسجيل مواقف" .. ولكنهُ في حال الموقف الحالي المناهض – شفهياً – للمشروع النووي الإيراني ، لا يجني للعرب سوى مدائح شفهية من الولايات المتحدة وحلفائها ، باعتبار أن العرب يتخذون (الموقف الصحيح !!) دفاعاً عن مصالحهم وخوفاً على أمنهم من المشروع الإيراني ، أما التنازل من أي نوع ، أو الضغط على إسرائيل ، فهو أمرٌ خارج الصفقة .. فضلاً عن استعداء إيران ، الذي هو ليس ، بأي حساب ، في مصلحة العرب.
• كان الأمرُ سوف يتغيَّرُ كثيراً ، و من الجانبين ، لو أن العرب ، من خلال خطابهم الدبلوماسي ، أبدوا اطمئنانهم للمشروع النووي الإيراني و تفهمهم حق إيران في امتلاك التقنية النووية "أُسوةً بإسرائيل على الأقل" (وليس مطلوباً من العرب أن يؤمنوا ، من سويداء قلوبهم بهذا الموقف ، بل يكفي إعلانُهُ فقط والتظاهُر به ، لكي يؤتي مفعوله الفوري)..
• إن التلويح باستخدام الثقل الدبلوماسي العربي في جانب إيران و مشروعها النووي ، كان من شأنه أن يحمل الولايات المتحدة على تقديم الكثير من التنازلات ، و بذل الكثير من الضغوط على إسرائيل في شأن القضية الفلسطينية ، وإن عجز أوباما عن إقناع إسرائيل بمجرد إيقاف بناء المستوطنات في الأرض المحتلة ، ما كان ليكون لو أن موقف العرب – المُعلن – كان إلى جانب المشروع النووي الإيراني ، بل كانت العواصم العربية سوف تتحول إلى "محطاتٍ" دائمة لمبعوثي أوباما ، لإقناع العرب بتغيير موقفهم ، ودعم الرؤية الأورو- أمريكية بشأن التهديدات النووية الإيرانية .. وهو أمرٌ كان من شأنه أن يتيح للعرب فضاءاتٍ واسعة للمناورة ، وقدرات كبيرة على الضغط والمساومة ، فضلاً عمَّا كان يُمكن أن يُحدِثُهُ مثل هذا الموقف على صعيد العلاقات العربية الإيرانية ..
• ولكن ...
ali yasien [aliyasien@gmail.com]