لهذه الاسباب حلايب سودانية -6- بقلم: د. أبو محمد ابوآمنة

 


 

 

 

اتفــاق 1899 تم تجــاوزه من قبل الدولتين

 

د. ابومحــمد ابوآمــنة

 

عند التعرض لهوية منطقة حلايب يجب الا نحصر انفسنا حول نصون معاهدة1899م تداعياتها والغائها, بل يجب ان نغوص في عمق التاريخ, ندرس القبائل التي سكنت من فجر التاريخ في هذا الموقع ولا زالت تتوجد فيه. فكما اثبت نحوتات قدماء المصريين والهكسوس ومعاهدات ملوك البجا مع الدولة الرومانية ونحوتات امبراطور دولة اكسوم والرحالة العرب والاوربين بان سكان هذاه المنطقة كانوا ولا زالوا هم البجا.ـوكما ذكر في المقال السابق  ظلت حلايب وشلاتين جزء من مملكة الفونج ومن بعدها جزء من الدولة المهدية تماما كبقية مناطق شرق السودان ما عدا سواكن التي كانت لفترة تتبع لامارة الحجاز ولفترة اخري للخديوية.ـ

 

ظلت قبائل البشاريين ومناطقهم في الشمال الشرقي من القطر جزء لا يتجزء من السودان الي ان جاء المستعمر البريطاني وحول مبدئيا ما عرف فيما بعد بمثلث حلايب عام 1899م الي مصر. وعندما وجد هذا الاجراء معارضة من قبل شيوخ قبائل البشاريين عاد المستعمر وارجع المنطقة الي السودان في عام 1902 كما كانت سابقا عبر الدهور. واستمر هذا المثلث جزء من السودان حتي فاجأت السلطة المصرية وبعد خروج المستعمر البريطاني الحكومة الوطنية الجديدة بانتماء هذا المتلث اليها وعارضت اجراء اي انتخابات برلمانية فيه. بل شرعت في ارسال الجيش المصري اليها عام 1958, ولكن عندما لقي هذا الاجراء معارضة شعبية عارمة, تراجعت مصر عبد الناصر وسحبت الجيش المصري من المنطقة تفاديا لاي اشعال للفتنة بين الشعبين. وصف هذا القرار بالحكمة ورحبت به الكتل السياسية السودانية وخاصة تلك المؤيدة للسياسة المصرية. وتنفس الشعب السوداني الصعداء تفاديا لاي مواجهات بين الشعبين لا تحمد عقباها. مصر لم تتنازل عن المثلث نهائيا, الا انه صار من الامور المسكوت عنها, وصارت تجري فيه الانتخابات واستمر ادارته من قبل الحكومة السودانية منا كان سابقا.ـ

استمر هذا الوضع علي ما هو عليه الا ان جاءت الانقاذ وقامت باشعال الفتن والتهديد بضرب مصر في العمق وتحطيم السد العالي, واحضرت العناصر الارهابية المصرية الي السودان ووفرت لها الملاذ الآمن والتدريب العسكري ومدتها بالسلاح والمتفجرات لزلزلة الاوضاع في مصر, والسلطة في مصر كانت تراقب الموقف بدقة ظانة بان ما تقوم به الانقاذ هو تخريمات واهية وتهديدات جوفاء.ـ

لكن خاب ظنها.ـ فحين  توجه السيد حسني مبارك الي مقر اجتماع الدول الافريقية باديس ابابا في يونيو عام 95 تعرض لمحاولة اغتيال محكمة قام بها النظام في الخرطوم, حسب ما اتفقت عليه كل الجهات الاستخباراتية الدولية, بل ان حسن الترابي شخصيا اعترف فيما بعد بتورط قيادة المؤتمر الوطني في الجريمة, وقال بالحرف الواحد:ـ

 إذا يوم من الأيام أُقيمت محكمة وأديت القسم على أن أقول الحق كل الحق سأضُطر أن أقوله.ـ

 

 يمكن متابعة اعترافات الترابي علي الموقع ادناه في حلقته الخامسة:ــ

 

http://www.youtube.com/watch?

v=iXGfuc3706Q&feature=PlayList&p=931ACEDF49F64DE5&index=51&playnext=2&playnext_from=PL

 

لم ننتظر طويلا بعد فشل محاولة الاغتيال هذه, اذ بقوات هائلة من الجيش المصري وبعتاد رهيب تكتسح مثلث حلايب مكبدة القوات السودانية خسائر فادحة في الارواح والعتاد, ومعرضة المواطنين للتشريد وللتهجير القسري وتشتيت العوائل والسجن والملاحقات الامنية ومحاربة الارزاق وخاصة تلك الفئة التي اعلنت معارضتها للاحتلال.ـ

بدلا ان تنتقم السلطة المصرية من الانقاذيين, انتهزت الفرصة واحتلت المثلث معاقبة كل الشعب بهذا الاجراء, مما اثار سخط شعبي واسع, الا ان قيادة المؤتمر الوطني لزمت الصمت, خوفا من التصعيد وتحويل ملف الاغتيال الي مجلس الامن والمحاكم الددولية.ـ

 

عند محاولة تشبثها بمثلث حلايب تتزرع الحكومة المصرية بنصوص اتفاقية  1899م عام التي كتبها ووقعها المستعمر. فكما سبق ان جاء في المقالات السابقة فان هذا المثلث ظل منذ القدم جزء من هذا الوطن.ـ

من المثير حقا ان اتفاق عام 1899 تم تجاوزه عدة مرات ومن قبل الدولتين المعنيتين, ومن المثير اكثر ان هذا التجاوز لا يجد ما يستحقه من اهتمام من قبل السياسيين والمؤرخين والكتاب والمهتمين بالقضية.ـ

 

المناسبات التي تم فيها الاختراق هي:ــ

 

ــــــ الدستور المصري الذي اجيز عام 1923

ـــــ اغتيال سير لي ستاك وطرد الجيش المصري والاداريين المصريين عام 1924

ـــــ التوقيع علي اتفاقية 1936 بين مصر وانجلترا

ـــــ الغاء الاتفاقية عام 1951 من داخل البرلمان المصري

ــــ قيام ثورة الضباط الاحرار عام 1952.  ـ

  

نعم تم الاختراق للمعاهدة في كل هذه المناسبات, فكما هو معروف أنه إذا قامت إحدى الدول باعمال تخالف مخالفة واضحة لنصوص اتفاقية ما او تم استبدال اتفاق باتفاق آخر في وقت لاحق كتوقيع اتفاقية 1936 تعتبر هذه الاعمال بمثابة الغاء لتلك الاتفاقية.ـ

يقول الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه في هذا المضمار في مقاله المميز الذي نشر في صحيفة الشرق الأوسط في العدد 4855 بتاريخ14/ 3 / 1992

  قراءة في ملف قضية حلايب بين مصر والسودان:ـ

تذهب قواعد (القانون الدولي) إلى أنه إذا اتخذت إحدى الدول باعترافها أو تصريحها أو سكوتها موقفاً يخالف مخالفة بينة للحق الذي تدعيه أمام محكمة دولية فإنه يمتنع عليها المطالبة بذلك الحق حتى على فرض أن إلغاء الحكومة المصرية في أكتوبر 1951 لاتفاقية 1899 بإدارتها المنفردة لم ينتج أثراً قانونياً فإن هذا الإلغاء قد تم في رأي بعض الناس بالإرادة المصرية – البريطانية المشتركة.ـ

ان ابراز هذه الخروقات والتجاوزات التي قامت بها الدولتين يدعم بشكل قاطع حججنا بالتمسك بالمثلث كجزء لا يتجزء من السودان ويدحض الحجج الواهية التي تقدمها السلطة المصرية للتشبث به.

 نتناول في المقال القادم هذه الحوادث المثيرة للغاية والتي هزت كيان الشعبين, والتي ادت الي نسف اتفاقية 1899 من اساسها. ـ

 نواصل...ـ 

 

آراء