يحي فضل الله .. تقبل اعتذاري
26 January, 2010
أقاصي الدنيا
suadninexile195@hotmail.com)
زار يحيى فضل الله مدينة الشارقة وحل ضيفاً مسرحياً عزيزاً عليها ولم أقابله .. تلك واقعة اوجعتني وتدعوني الآن للاعتذار له على ملأ النسخة الورقية لآخر لحظة وكذلك في تمثلها الالكتروني.
جاء يحيى ليقدم ضمن فرقته مسرحية يرول التي كتبها أستاذنا الأعز الشاعر والمسرحي والكاتب والإذاعي المرموق الأستاذ الخاتم عبد الله متعه الله بعافية الحبر وسلاسة القلم وقوة إيحاءات وادي عبقر، فللخاتم ديون مهنية عليّ لا أقوى على تسديدها إلا بما يرضيه عني إذا كنت مصيباً في جنس علمني له.
جاء يحيى ولم أره وتلك معجزة لا تستطيع مخاطبتها الحواس الخمس فالمعزة والأخوة والصداقة ظلت تحفر فينا عميقاً منذ ان التقينا في مطالع الثمانينات حين لفت نظري كشاعر له مفردة مغايرة وصور درامية ينحتها باقتدار لافت وفوق ذلك فيوضاً من السرد والقص والحكي والشعبية المباشرة ذات الواقعية السحرية .. فيحيى كاتب عمود ممتع وسهل وهش وجذاب وكاتب قصة قصيرة وروائي وشاعر غنائي ومسرحي وطبيعي جداً وبسيط للغاية و(أخو اخوان) من غير مال ولا خيل بالنطق فقط كما يقول المتنبئ !
لم أقابله لأن يوم وصوله كان يوم وصول زوجتي و(من يهن يسهل الزواج عليه) وصادف ذلك اليوم احتفالنا السري بمرور 28 عاماً من الزواج المتواصل الذي لم يشهد انقطاعاً شرعياً ولا اجتماعياً تواتر هكذا بلا متعرجات ولا مطبات زواج مثل صفة بلادنا (مترامي الأطراف) يمتد بلا نهايات ولا أفق ولا سبيل لانقطاعه لأنه إذا انقطع فسأكون في (عداد المفقودين).
ومثل هذا الزواج الذي بلغ الـ 25 عاماً يطلقون عليه (التأبيدة) وبما أنه تجاوز تلك المدة بسنوات ثلاث فقد جاز عليّ أن أطلق على زوجتي (تأبيدة بطرس) تأكيداً على الوحدة (الجاذبة للغاية) !
منع هذا الطقس الوحدوي الطوعي مقابلة يحيى لكنه لم يمنع اندياح (الشراكة الوجدانية) التي تربط بيننا منذ أن كان طالباً بمعهد الموسيقى والمسرح ثم جمعتنا القاهرة التي كنا نتقاسم فيها النبقة التي لا تقبل الانقسام على نفسها، ثم جمعنا المنفى وعزّز محبتنا الثلج وأدفأت مهجتينا في ذلك القفر الصقيعي الجاد المسمى ببراي كندا، القصائدُ.
ميزة يحيى فضل الله أنه (جوكر إبداع) فإذا قص فأنت أمام خلطة من الأنس واستطراءات الحكى وإذا كتب الشعر فإنت مواجه بتخصيب الذائقة لتكون على مستوى مفردته الشعرية وإذا صعد المسرح فأنت أمام ممثل ومخرج وكاتب سيناريو استعاد روح العميري بكل ذلك الصفاء الذي طبعها وبكل ما خصها الله من الفتنة وصنوف الحسن، ورغم أنني لم أحضر عرض المسرحية إلا أن من حضروها لم يبخلوا عليّ بذلك النبع الذي فاض في وجدانهم.
كان المأمول يا صديقي أن أكون أول من استقبلك لى الأرض وبالأحضان وآخر من ودعك وأن تصعد نحو السحاب وكان المامول أيضاً أن نقوم (بالواجب) وكان ذلك ما سيفرض عليّ أن أهديك آخر الروايات وآخر ما كتب معشوقنا المشترك شوقي بزيع وتلك الخيول البيضاء لإبراهيم نصر الله الذي سهرنا معه في القاهرة وكنت سأهديك أيضاً المترجم الخائن والديوان الأخير لدرويش الذي يكتب بعده.
نقلاً عن صحيفة آخر لحظة