البرامج الانتخابية و التنمية

 


 

د. حسن بشير
30 January, 2010

 

 

سبق ان نبهنا مرارا و تكرارا الي ضعف الجانب الاقتصادي في برامج الاحزاب السياسية السودانية. ستكون فرصة الانتخابات التي انطلقت مسيرتها الان مناسبة جدا حتي تثبت الاحزاب العكس و تقدم للمواطن السوداني رؤاها الاقتصادية. بالتأكيد ان الضعف الاقتصادي لبرامج الاحزاب السودانية شأنا عاما لكنه يتفاوت نسبيا بين حزب و اخر. بعض الاحزاب ، خاصة اليسارية و في مقدمتها الحزب الشيوعي اضافة لاحزاب الاخوان المسلمين بتطوراتها و مسمياتها اللاحقة و كذلك الاحزاب التي تدخل الانتخابات و هي ممسكة بزمام السلطة ، تقدم برامج اقتصادية بشكل افضل بكثير من الاحزاب التقليدية التي تحظي بتأييد شعبي واسع في السودان الشمالي. بالرغم من ذلك فان تلك البرامج غالبا ما تميل الي التعميم و تخلو من الجوانب العملية التي ترتبط بالحياة اليومية للمواطن بتفاصيل محددة. اما البرامج السلطوية فانها تميل الي التضخيم و الوعود و الإغراء و تاتي في شكل فقاعات كبيرة سرعان ما تنفجر مباشرة بعد قفل صناديق الاقتراع و اعلان نتائجها. علي سبيل المثال ما هي البرامج الحزبية الخاصة بمعالجة البطالة؟ ما هي الاستراتيجية المعتمدة من هذا الحزب او ذاك لمواجهة الفقر الجماهيري المتفشي في السودان؟ ما هي بدائل التنمية الزراعية و الصناعية خلال الخمس سنوات القادمة؟ و ما هي مصادر تمويلها؟ كيف يمكن التعامل مع ملفات التجارة و التمويل الاجنبي و الرؤية الخاصة بالاستثمارات الاجنبية؟ ما هو رأي الاحزاب حول تطوير القطاع الخاص و دعم تنافسيته؟ ما هو موقفها من برامج الخصخصة ؟ كيف ستكنس الفساد المالي و الاداري؟ هناك العشرات من الاسئلة المماثلة التي تحتاج الي التفصيل في برامج الاحزاب حتي نستطيع التمييز بينها و التصويت لها. اذا تحدثنا عن البطالة او التضخم او الفساد فان أي حزب سيقول انه سيقف ضد تلك الظواهر و يسعي للقضاء عليها، لكن كيف سيفعل ذلك و باي اسلوب و أي ادوات سيستخدم؟ تلك اشياء غير مفهومة حتي الان.

    من جانب ثاني هناك البرامج الخاصة بالولايات و الدوائر و التي تحتاج الي دراسة حالة الولاية او الدائرة و الوقوف علي مشاكلها و مواردها و من ثم تحديد الاولويات خلال الفترة المحددة لولاية الشخص المنتخب ، في هذه الحالة نجد البرامج مثالية و تقفز فوق الواقع و الامكانيات المادية و البشرية و بالتالي غير ذات جدوي اقتصادية.

     اما اذا تحدثنا حول البرامج الاقتصادية للاحزاب فيما يتعلق برؤيتها لمستقبل الجنوب و جاذبية الوحدة فسنجد هناك صفرا كبيرا في هذا المكان. معظم الاحزاب تتكلم دون رؤية محددة للتنمية في الجنوب كما انها بالكاد تسعي للحصول علي اصوات الناخبين الجنوبيين تاركة الساحة هناك للحركة الشعبية و لحد ما للمؤتمر الوطني الذي تتوفر لديه امكانيات للمنافسة. كذلك الحال بالنسبة للمناطق الثلاث التي ستكون معركة الانتخابات فيها حاسمة لمستقبلها.

      هناك ايضا جوانب في البرامج الاقتصادية من المفترض ان ترتبط بالحقوق . بالاضافة للحقوق السياسية ، حقوق الانسان ، الطفل و المرأة فهناك الحق في التنمية. اكثر ما يتم تداوله في هذا الشأن هو مصطلح التهميش. لكن حتي هذا يحتاج الي تعريف دقيق و علاج عملي في شكل برامج و ليس الاكتفاء باطلاق الشعارات و الوعود و إلهاب حماس البسطاء. قصدنا ان نقول انه في مجمل تلك القضايا من غير الواضح كيف يمكن التصدي لمشاكل كبري مثل انتهاكات حقوق الانسان بما فيها الحق في الحياة و التنمية؟ ، كيف يمكن تحقيق المساواة و العدالة و تحقيق كرامة العيش؟ اين تقع الخدمات الاجتماعية من تعليم و صحة و شبكات المياه و الصرف الصحي من كل تلك الضجة ؟ هل هناك رؤية واضحة لطرق التنفيذ و الرصد و المتابعة و آليات المحاسبة؟

      اننا ندرك ان الانتخابات و الحملات الانتخابية امر مكلف جدا ، كما ان الاحزاب عانت طويلا من القمع و التحجيم و قص الاطراف ، لكن اذا كانت احزابا فعلا فهي اذن قائمة علي برامج سياسية ، اقتصادية و اجتماعية و هذا ما نريد التأكد منه كناخبين حتي نستطيع تحديد خياراتنا بشكل صحيح. جميع المشاكل التي تعرضنا لها تتضخم باستمرار في الواقع السوداني و تحتاج الي علاج ناجع و ربما تشكل تلك المشاكل عقدة اساسية في قضايا مثل الوحدة و الانفصال ، علاقات السودان بمحيطه الاقليمي و علاقاته الدولية . بما ان الحملة الانتخابية ستنطلق قريبا فان ذلك يشكل فرصة للاحزاب ، خاصة المعارضة و تلك التي ستشارك لأول مرة في الانتخابات العامة ، ان تقدم نفسها بشكل مختلف و مكتمل و مفصل لان ذلك يعتبرا مكسبا لها ان لم يكن في نتائج هذه الانتخابات ففي الميدان السياسي و للمستقبل ، اذا غيض الله استمرار النهج الديمقراطي في السودان.

 

Dr.Hassan.

 

hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء