شُجيراتُ السَّلامِ النَّابتةُ على أرضٍ عَانَقَ ثَقافيُّها اجتماعيَّها .. (14)

 


 

 

د. حسن محمد دوكه

طوكيو - اليابان

dokahassan@yahoo.com

 

( إنَّها شُجيراتٌ مُحايدةُ الوُرَيقَاتِ " الطَّرَق " ، مُتجذِّرٌ فيها نبضُ البوحِ .

أو خِنجرُ الأسفلتِ " عولميُّ المنبتِ " على صَدْرِ الرَّواكِيبِ " الغَلَط " ! ).

 

" كَتْ كَال ، تلاته مُسمار، شِيك كِلاس مَين .

Kat Kal Talata Musmar, Cheek Class Men .

إذهب وأحضر ثلاثة مسامير، وأغلق هذا الفصل "

( الأستاذ عبدُ اللهِ  الضو، ثالث مديري مدرسة وددكونه الابتدائية أواسط السبعينات)

 

خلال سبعينات القرن المنصرم، تشرف جيلنا بالتتلمذ على أيدي معلمين أكفاء مهرة، ومربيين من الطراز الفريد، وأساتذة تربويين غارقين في سودانيتهم الرحبة. حيث كانت مدرسة وددكونه الابتدائية تتشرف بأول مدير لها ( الأستاذ سري ) قدم من أقاصي شمال السودان ( حلفا )، يُسَيِّرُ معه مركبَ التعليم والتنوير أساتذة أفاضل نذكر منهم الأستاذ محمد الحبيب البشير الدوش من أبناء المتمة نواحي شندي، والأستاذ ميرغني من أم الطيور، والأستاذان ( عبد الله الفوراوي ) من أبناء الفور، وعبد الله سعبد من أبناء الحسانية المستوطنين مدينة الدويم. ومن أوائل معلمي المدارس الابتدائية وروادها من أبناء الملكية ، الأستاذ عبد اللهِ الضو ، صاحب المقولة التي صدرنا بها مقالنا هذا. حيث سمعناه ذات صباحٍ وددكوني يطلب من أحد عمال المدرسة بإغلاق فصل معين ، فاستخدم الثلاث جمل القصيرة السابقة مستعيناً  بثلاث لغاتٍ هي : لغة الشلك ( كَتْ كَال ) ، واللغة العربية العاميه ( تلاته مسمار)، ولغة الشلك مرةً أخرى ( شِيك ) ، واللغة الإنجليزية ( كِلاس )، ولغة الشلك مرة ثالثة ( مَين ). 

وحديثنا " المُوَثِّقُ " مازال يتواصل عن الرنك " البريق " ، حيث تأخذنا الذاكرة البكرة الآن إلى عوالم أستاذنا سعادة مدير مدرسة الرنك المتوسطة أوان دخولنا فضاءاتها الرحبة،وبداياتُ تجربتنا التعليمية التثقيفية مازالت مثيراتها طازجةً في مفاصل عالمنا القروي الوددكوني – آنذاك -. فقد كان الأستاذ المدير ( الشُّوش ) رجلاً قصير القامة ، تميز ملامح وجهه تلكم النظارات الطبية ، و تتحكر في الذاكرة أناقته المفرطة ببنطاله ذي الحمالات المثبتة للكتفين بالبنطال أو العكس. كان أستاذنا الشوش أباً للجميع بكل مشاربهم السودانوية. وبجانب رهبتنا إياه بوصفه المدير، كنا نرى فيه الأبوة ، والأخوة، والصداقة . فقد كان مهجوساً بأنشطة الطلاب التعليمية ، و الأنشطة غير الصفية. حيث تعرفنا لأول مرة على الجمعيات الأدبية ، وفرق كرة القدم ، والسلة، والكرة الطائرة بمنافساتها الحامية – طوال العام -  بين فصول المدرسة الثلاث ( أبو بكر، وعمر، وكرَّار ) ، وداخلياتها الثلاثة ( الرهد، والدندر، والسوباط ). أذكر " جيداً " أنني وأنا طالب في السنة الأولى متوسطة ، قد أحرزت نتيجة سيئةً نهاية العام، مما أثار غضب الوالد " عليه الرحمة " ، وأقلقَ أساتذتي المعلمين وعلى رأسهم سعادة المدير ( الشوش ) ، فكانت المفاجأة السارة لوالدي ، والمهيبة لي ، وصول سعادة المدير ( الشوش ) بصحبة أستاذنا حسين عيسى حسين ( من أبناء الرنك المنحدرين من كردفان ودارفور ) إلى وددكونه ذات صباحٍ درتي يمتطيان ظهر المعدية ( البنطون ) التي كانت " تساسق " بين الرنك ووددكونه كل إثنين وخميس.

 تملكتني الرهبة ، واستوعبني الخوف عندما التقيتهما في ديوان أبي أوان الفطور . فقد عرفت – لاحقاً – أنهما تحدثا مع والدي حديثاً " تربوياً " وشرَّحا له حالتي التعليمية ، بل إقترحا نقل أخي الأكبر " عليه رحمة الله " (عادل ) من مدرسة كدوك المتوسطة ، إلى مدرسة الرنك مصطحباً ابن عمنا الأستاذ هاشم علي دوكه، وذلك إنقاذاً لمستقبلي التعليمي الذي كانت تنتاشه الغربة من كل صوب وناحية !.

 

ونواصل.

 

آراء