لا لغة … لا سياسة

 


 

 

 

الحديث بأن السياسة هي السلطة الحاضرة واللغة هي السلطة الغائبة ، يتجلي كثيراً في بعض المفردات التي يخرج بها السياسيون لوصف حدث ما أو إطلاق عبارة علي حدث قد وقع، وعندما وصف النقاد السياسيون عبارة (محور الشر ) التي وقصد بها ذلك الوقت (العراق ، إيران وكوريا الشمالية ) ــ اثارت جدلاً واسعا عندما إستخدمها الرئيس (بوش) أول مرة في العام 2002ـ بأنها (ساذجة) إلا أن مراقبين آخرين كانوا يرون أن بوش كان يرمي من ورائها الي تبسيط السياسة الخارجية التي سوف ينتهجها تجاه هذه الدول ، وأن تصريحاته في حقيقة الأمر أي (محور الشر) إنما كانت دلالة علي تحريك وشيك ضد الدول المذكورة ، وما عقب ذلك الوصف من رد فعل لدولة مثل روسيا ، فلم تقتنع بالعبارة ، بل وطلبت من الولايات المتحدة تحديد الأخطار الحقيقية بدلا عن الخيالية ولم توافق علي إعتبار الدول المذكورة دول راعية للإرهاب ..وإطلاق عبارات كهذه في عالم السياسة كفيل بأن يغير إتجاهات سياسات الدول بشكل تطغي عليه المصلحة بالطبع ، فمثلا لماذا تغير الآن موقف  روسيا من (إيران)  أحد المحاور المذكورة في العبارة فذلك لأن المسؤولين الروس كانوا في تلك الفترة يرون أن مصلحة موسكو كسب ود كل من العراق وايران وكوريا الشمالية كعملاء محتملين مستقبلاً للإستفادة من تكنولوجيا السلاح .. عبارات أُطلقت في دنيا السياسة وكانت مداخل للتغيير في قراراتها ومن ثم تنفيذها علي الساحة وأخري دللت علي توارث اللغة السياسية  كوصف (الأسود) مثلا (يوم الإثنين الأسود) وأُطلق هذا الوصف أول مرة علي يوم الخميس حيث قــُصد بـ(الخميس الأسود ) يوم 24 أكتوبر من العام 1929 الذي مثل يوما أسودا بالنسبة للإقتصاد الرأسمالي في أمريكا. وعبارة مثل (قبيلة النعام) و(الوحدة الجاذبة) ، فيتم تداول  هذين التعبيرين بالرغم من أضاد مراميهما فحيث يحمل التعبير الأول في مراميه دعوة بإنفصال جنوب السودان عن شماله ، يدعو التعبير الثاني للوحدة. وبينما تتفاوت لغة الخطاب السياسي بين الخطاب الحالم المثالي كما في خطابات المهاتما غاندي التي تنادي بنبذ العنف ،الي سياسي آخر يري أن الثورة هي منظاره الوحيد للكون كما في خطب الثائر الكوبي (تشي جيفارا) ، أما عبارة (ركائز الإستبداد) فأطلقتها (كوندليزا رايس) ــ وزيرة الخارجية الأمريكية السابقةــ وقصدت بها (كوبا، روسيا البيضاء، زمبابوي،ميانمار)،وتعبير  مثل (فئة المهمشين) أو (المنسيين ) فظهرت لأول مرة في خطاب (روبرت مينزيس) السياسي الأسترالي والذي تولي فيما بعد ولأطول فترة رئاسة الوزارة. وعبارة (وهل هناك فساد في السودان يستدعي تشكيل لجان) وأخري أكثر شفافية ــ وبهذه المناسبة لم يظهر تعبير (شفافية) في لغة السياسة وخصوصاً في الدول النامية إلا بعد ثورة المعلومات ــ كعبارة يجب أن نختزل الفساد الي نسبه المعقولة ومثال أخير قاله أحد قياديي(هنغاريا) عندما أردا إدخال بعض السياسات الجديدة علي التعليم : (الضفادع لا يؤخذ رأيها عند تنقية المستنقع)..ومثال آخر يـحتذي به كل سياسي العالم (الناجحين) تحديدا .. (أنا لا أكذب ولكني فقط لا أدقق في التفاصيل).

 

zizetfatah@yahoo.com

 

آراء