شُجيراتُ السَّلامِ النَّابتةُ على أرضٍ عَانَقَ ثَقافيُّها اجتماعيَّها

 


 

 

 

(15)

د. حسن محمد دوكه

طوكيو - اليابان

dokahassan@yahoo.com

 

( إنَّها شُجيراتٌ مُحايدةُ الوُرَيقَاتِ " الطَّرَق " ، مُتجذِّرٌ فيها نبضُ البوحِ .

أو خِنجرُ الأسفلتِ " عولميُّ المنبتِ " على صَدْرِ الرَّواكِيبِ " الغَلَط " ! ).

 

" بَدُور الفكر ما يصبح نَضِم ،

 أو خُطبه ،

 أو تهليل .

 بَدور الفكر يبقى سلوك، و وعي يضوِّي درب الجيل "

( فارماس ، بطل مسرحية :" نبته حبيبتي " . تأليف الأستاذ : هاشم صديق )

 

في مدرسة الرنك المتوسطة – أواسط السبعينات -  من القرن المنصرم، تشرنقت فينا أولى طُليعاتِ زُهيرات الاهتمامات بالشأنِ السوداني العامِ بأبعاده الثقافية، والسياسية، والتاريخية، والاجتماعية.

كانت قاعة الطعام ( روما ) تتحكر راكزةً جنوب مباني المد رسة ،غرب داخلية الدندر، وكنا نطلق عليها لقب " روما " . فكنتَ تقول  لزميلك في الفصل أو الداخلية بعد انقضاء ساعات الدرس - والجوع ينتاش حواشيك وأطرافك، طامعاً فيما يسد الرمق - : هل سقطت روما ؟ فيجيبك " مبتسماً –" أو " مكشِّراً "  :

أيوه، أو لِسَّع !، أو ( ما عارف ) . 

وإطلاق اسم روما على قاعة الطعام ( السفرة/الصفره ) ، ربما يرجع – والله أعلم - إلى ظلالٍ إذاعية تنسلُّ من شعار أخبارهيئة الإذاعة البريطانية ( BBC ) بدقاتِ الساعة ضاربة الشهرة والأثر العولمي ( بك بين )،عندما تجمع بين جاهزبة الطعام و أجراس البك بين. حيث إنَّا كنَّا ننتظر صوت الأجراس وهي تعلن جاهزية الوجبة ( شاي الصباح بالزلابية أو الخبز، أو الفطور بالفول أو العدس ، أو الغداء بالقرع، أو الكوسا، أو البطاطس،أو الباميه، أو العشاء باللبن، أو الفول ) . فالعلاقة بين روما ( حاضرة الإغريق/ شعار البي بي سي  ) وقاعة طعامنا تتمحور في  نغمات الأجراس السادرة في علوِّها الدَّاوي في كلٍّ يحزم " مُسوِّراً "ساعات نهارنا وبعض سُويعات الليل بالرنين وكامل الانتباه لأنين عضو اسمه البطون!. حينها كان لصديح أنغامِ الأجراس البك بينيّة سحر ( بافلوفيٌّ ) المشارب والمآلات المهيبة في إثارتها فينا  " جخانين " التضوّعِ جوعاً يلفحُ اللحظةَ بأثوابِِ التضرع للخالق ( سبحانه وتعالى ) مُطعمِ العَالَمين، ومشبع الأفيال" الرنكيّة " أن يكون الطعام من فصيلة " المفاريك " !.

 و مصطلح  " بافلوفي " هذا ينتسب إلى العالم النفسي التربوي صاحب النظرية السلوكية التي تعتمد أدبياتها على الارتباط الشّرطيِّ بين المثير والاستجابة ، والتي درسناها - لاحقاً – أوان دراساتنا فوق الجامعية بمعهد الخرطوم الدولي للغة العربية، والذي وضع خطانا الأكاديمية على جادة العلم والمعارف اللسانية في آفاقها المتجددة تماشياً مع ما هو معاصر يلاحق العالم في تطوراته " اللسانية " المذهلة. وبتنزيل النظرية " البافلوفية "  على واقعنا الطعامي آنذاك بالرنك المتوسطة ، يكون الجرس " الروميُّ / البك بيني" هو المثير، لِيُصبحَ تدافعنا نحو قاعة الطعام هو الاستجابة المُستثارَة و المشروطة بالرنين!

            في إحدى صباحات الرنك الدَّرتية أوان الحصاد ، وأثناء مقدمات نسمات فصل الشتاء، صدحت أجراس روما ( السفرة / الصفرة ) بُعيد صلاة الصبحِ حوالي الخامسة صباحاً على غير موعد إعلان ارتشاف شاي الصباح المدرسي الذي يكون عادة في السادسة صباحاً. حيث هبَّ الجميعُ ممسكين بأكواب شاهيهم الفارغة بغيةَ الحصول على شاي الصباح. ولأنَّ الوقت شتاء، فقد تشابه على الجميع بَقَرُ الوقت والزمن المعلوم.

            كانت وجهتنا جميعاً روما سفرتنا الأثيرة . ولكننا تفاجأنا بغياب أنوار الشمس ، وإغلاق بوابتي السفرة ، وببعض زملائنا الطلاب وهم يحملون لافتاتٍ كُتب عليها :

" داون ، داون ، إيجبشن كانتري "

“Down, Down Egyptian Country “

“No federation In One Nation “

فإذا بها تظاهرة طلابية – هي الأولى بالمدرسة – تنتقد تنفيذ إقامة مشروع قناة جونقلي. وقد تم احتواؤها " سلمياً " بواسطة أستاذنا ( الشُّوش ) سعادة المدير وحكمته ، دون تدخلاتٍ عنيفةٍ من رجالات الشرطة.

 

 

ونواصل .

 

آراء