الترابى وتلاميذه (1-2) …. بقلم: أسماء الحسينى
1 May, 2010
Alshareefaasmaa224@hotmail.com
عزز موقف حزب المؤتمر الشعبى الذى يتزعمه الدكتور حسن الترابى الرافض لنتائج الإنتخابات السودانية الأخيرة بشكل كبير موقف الرافضين لها ممن شاركوا فيها أو قاطعوها ،ورغم ذلك ظل موقف الترابى من الإنتخابات غامضا عصيا على الفهم بالنسبة للبعض ، ومثيرا للجدل فى رأيهم مثل صاحبه ،الذى لايوثق به تماما من بعض الأطراف فى السودان ،فلازالت خديعته الكبرى لهم عند قيام ثورة الإنقاذ وذهابه إلى السجن حبيسا وذهاب الرئيس عمر البشير إلى القصر رئيسا على حد قولته المشهورة فى الأذهان .
،ويحتار كثيرون فى فهم موقف الترابى الأخير من الإنتخابات التى خاضها مؤكدا نزاهتها فى البداية ،ثم خرج ليعلن بعد ظهور النتائج الأولية حدوث عمليات تزوير غير مسبوقة تم فيها تبديل صناديق الإقتراع ،البعض يرون أن تلاميذه السابقين الذين انقلبوا عليه وهم قيادات المؤتمر الوطنى الحاليين لم يكونوا ليحتملوا وجوده فى البرلمان ،وهو من شن عليهم هجوما عنيفا خلال الحملة الإنتخابية ،حتى أن احمد إبراهيم الطاهر القيادى البارز بالمؤتمر الوطنى ورئيس البرلمان المنتهية ولايته قد قال إنهم صبروا عليه أكثر من صبر أيوب ،وكانت قد راجت أنباء عن أن الترابى سيكون زعيم المعارضة فى المرحلة المقبلة ،بعد أن ترشح على رأس القائمة النسبية لحزبه فى الخرطوم .
وذلك بخلاف آخرين لايصدقون أن الشيخ الترابى بهذه البراءة ،وانه ذهب للمشاركة فى الإنتخابات بسلامة نية ثم فوجىء بالتزوير،أو أنه تم إستدراجه للدخول فى الإنتخابات ،ومن بين هؤلاء الكاتب والمفكر والحقوقى كمال الجزولى الذى يشكك فى رواية الترابى ،وقد قال لى :إن الترابى يكون مع المؤتمر الوطنى حينما يصبح البديل له علمانيا ،وأنه يريد أن يكون البديل الوحيد لهم ،وإذا جاء غيره ليغيرهم يدعم استمرارهم،ويقول :إن الترابى بلغته أنباء عن قيام المؤتمر الوطنى بتبديل صناديق الإقتراع قبل فترة ،لان ذلك مايتضح من حديثه ،وليس معقولا أن تلك المعلومات بلغته قبل ساعات من إنتهاء الإقتراع ،ومع ذلك أخفى هذه المعلومات عن حلفائه فى تجمع جوبا ،لأنه لم يرد لهذه الإنتخابات أن تفقد صدقيتها ،ويفقد البشير صدقيته لمصلحة المعارضة ،ثم انسحب لما تأكد أن هذه الإنتخابات ستكون مقبولة من المجتمع الدولى ،ويقول إن الترابى فى موقف غريب وسيواصل معركته مع تلاميذه السابقين ، وفى الوقت نفسه سيسعى لتكسير مجاديف أى قوة تحاول تكسيرهم ،ولن يقبل أن يهزمهم غيره ،وهو من رفض خيار الإنتفاضة ضدهم .
وهذا الحديث يناقضه حديث قيادات المؤتمر الشعبى الذين أكدوا لى أن حزب المؤتمر الوطنى اضطر للتزوير بعد أن خاضوا هم الإنتخابات ونافسوه بقوة ،ولو أنهم قاطعوا الإنتخابات ما اضطر الوطنى للتزوير ،وقالوا إن المؤتمر الوطنى قد أرسل لهم العديد من الرسائل التخديرية ليضمن إستمرارهم فى المشاركة ،وايضا استقرار الأوضاع الأمنية بعد إعلان النتائج ،ويضيفون أن المؤتمر الوطنى يراهم أكبر عدو له لأنهم من يخترقونه ،ويستدلون على ذلك بتهديد احد قيادات الوطنى أنهم بعد الإنتخابات لن يتركوا المؤتمر الشعبى وسيقطعون رأس زعيمه الترابى ،وهو مارد عليه أحد القيادات البارزة بالمؤتمر الشعبى إبراهيم السنوسى بتهديد مشابه .
وفى رأيى أن العلاقة بين الترابى وتلاميذه فى السلطة لم تنقطع تماما ،وكانت هناك دائما شعرة معاوية بينهما حتى فى أحلك الفترات التى مرت بها العلاقات بين الطرفين ،وذلك لعدة أسباب من بينها أن هذه الكوادر الإسلامية فى نهاية المطاف هم ذخيرة الحركة الإسلامية والترابى فى النهاية لايريد القضاء عليهم،كما أن هناك مايمكن أن نسميه تيارا داخل تلاميذه المنشقين عنه يريدون بالفعل أفكاره ولاسيما المتعلق منها بالإنفتاح والحريات وغيرها من الشعارات التى صدع بها الترابى بعد خروجه أو إخراجه من السلطة،كما أن النقمة على الترابى وتصرفاته تتفاوت فى أوساط المؤتمر الوطنى ،فليس الجميع سواء فى الموقف منه ،وهناك صلات كثيرة وطرق مفتوحة بعضها معلن وكثير منها خفى بين المؤتمرين الشعبى والوطنى .
وحتى الآن لايزال الدكتور حسن الترابى رغم إزاحته عن السلطة فى السودان منذ عشرة أعوام لاعبا رئيسيا فى الحياة السياسية السودانية ،ومازال الرجل ابن ال(77عاما) الغائب عن السلطة حاضرا بقوة وحيوية فى جميع القضايا السياسية والفكرية بالسودان،ومازال تلاميذه فى حزب المؤتمر الوطنى الذين أزاحوه قبل عقد من الزمان فى مسارات شتى مابين محاولات التخلص من عقدته والخروج من عباءته ،أو إسكات صوته وإزالة ظله،أو محاولة ترميم الحركة الإسلامية والسلطة التى فقدت عقلها المفكر بخروجه منها ،أو مابين اشواق التوحد ثانية معه لمجابهة مخاطر كبيرة لاقبل لهم بمقاومتها منفردين ،أومابين المخاوف من تكرار ماحدث لشيخهم وكبيرهم بالأمس ثانية بينهم اليوم .
و الترابي الذي أقصاه تلاميذه عن الحياة السياسية فى 6مايو عام 2000 ،هو الذى ينسب له بناء أول دولة إسلامية فى العالم العربى والعالم الإسلامى السنى ، حيث كان العقل المدبِّر لـ"مجلس ثورة الإنقاّذ ،الذى وصل للحكم عام 1989.
ولعل الدكتور حسن الترابى أو "الشيخ"كما كان يلقب وحده الترابى قبيل الإنشقاق هو أسطع نموذج يمكن تقديمه للغائب الحاضر ،فرغم أنه الآن خارج كل المناصب والسلطات ،إلا أنه مازال حاضرا عبر الكثير من أفكاره التى تتحرك الحكومة من خلال مرجعياتها،وذلك بدءا من قضايا السياسة والحوار مع الآخر ،سواء كان هذا الأخرداخل الوطن كالحركة الشعبية التى عقدت معها الحكومة إتفاق سلام عام 2005يراه البعض تطويرا لفكرة مذكرة التفاهم التى وقعها حزب الترابى مع الحركة فى جنيف ،أو كان هذا الأخر فى الخارج كفكرة الحوار مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولى ،وكذلك مازالت أفكار الترابى مرجعيات لتلاميذه المتمردين عليه فى قضايا الفكر والثقافة والفنون والمرأة وغيرها من القضايا التى لايمكن قبولها فى أوساط الإسلاميين بدون مسوغات قوية ،إذ ليس بإستطاعة أحد تقديم مثل هذه المسوغات كالترابى،وهناك الكثير من الأشياء التى تقدم عليها الحكومة حاليا أو بمعنى أصح المؤتمر الوطنى من الصعب إقناع الأجيال الجديدة من شباب المؤتمر الوطنى والحركة الإسلامية فى السودان بها إلا من خلال فكر الترابى وافكاره ،هذا الفكر الذى يقوم على البراجماتية ،فقد علم الترابى تلاميذه خلافا لكثير من القيادات الإسلامية فى المنطقة والعالم أنه لاقيمة للنصوص الدينية إلا بتحقيقها على أرض الواقع ،وأن أقل المصالح أفضل من الخسائر مع الإحتفاظ بقداسة النصوص .
والغريب فى الأمر أن أفكارالترابى الآن تتقاسمها الفئة الممسكة بتلابيب السلطة من تلاميذه والجهات التى تريد أن تقوض حكمهم فى آن واحد ،فحركة العدل والمساواة المتمردة بدارفور التى كان يتم الحديث عنها على أنها على علاقة بحزب الترابى أو هى ذراعه العسكرى ،وظلت تنفى ذلك على الدوام ،إلا أن ما لاتستطيع أن تنفيه هذه الحركة هو أن مشروعها لحل مشكلة دارفور وللتغيير مستلهم هو الأخر من أفكار الترابى ورؤاه،وفى إطار تجمع المعارضة السودانية يظل الترابى أكثر الشخصيات فاعلية وتأثيرا،وربما لاتتحرك هذه المعارضة بإطمئنان شديد إلا والترابى طرف فيها.
حتى الأطراف الخارجية الدولية منها والإقليمية تدرك خطورة هذا الرجل أو الدور الذى يلعبه وكيف أنه لايمكن إلغاءه بجرة قلم ،ومامن زائر أومبعوث إلى الخرطوم إلا ويكون حريصا على لقاء الترابى والإستماع إلى وجهات نظره ،التى يعطونها إعتبارا كبيرا ،ليس فقط بإعتباره رئيس حزب معارض ،وإنما لأن هناك شعورا بأن مشروع الدولة فى السودان مازال متأثرا بشخصية مؤسس نظام الإنقاذ ونظرياته ،وأن تلاميذه ومريديه سابقا لم ينفكوا بعد عن أفكاره وإن إنفض كثير منهم من حوله مؤثرين الإنضمام إلى المعسكر الآخر ،كمالازالت أفكاره وخاصة فتاويه الأخيرة وأشهرها الفتوى المتعلقة بإجازته زواج المرأة المسلمة من الكتابى مسييحيا أو يهوديا تتسرب سريعا خارج حدود السودان لتثير جدلا كبيرا أينما حلت .
و الترابى هو رجل بالغ الذكاء، شديد الدهاء، ويرى البعض أنه يرى نفسه أكبر من السودان ذاته ،متعطش للسلطة ، وكاد أن يتحقق له حكم السودان ، ولكن تلامذته خذلوه،وقدموا ماعرف بإسم مذكرة العشرة ضده التى أدت لإقصائه ،والتى ولدت لديه مرارة شديدة وحنق على تلاميذه ،ويرى البعض أن تصرفاته جميعا حيالهم منذ ذلك الوقت هى بدافع الإنتقام والتشفى .
بينما يرى أنصاره و المتعاطفون معه أن مايميزه هو النزاهة وعدم الخضوع للمال أو السلطة ،ويقولون أنه لو أراد السلطة ماكان عليه إلا أن يجلس فقط ولايخرج على تلاميذه فى رمضان ،وكانت الزعامة والسلطة فى يديه بالفعل،ويرى هؤلاء أن تصرفات الترابى التى أقدم عليها ليست إنتقاما من أحد ،ويؤكدون أنه لايرى فى أبنائه وتلاميذه الذين إنشقوا عليه أندادا حتى ينتقم منهم ،بل يقولون أنه يرى المسافة بينه وبينهم كبيرة، ،وأنهم ربما يكفيهم مايلقونه من عنت الأطراف الإقليمية والدولية ،ويفسرون تصرفات الترابى وافكاره المناهضة لحكم تلاميذه وتوجهاتهم بانها تعبير عن وجهات نظره ورؤية يرى أنها أشمل وأعم .
ولاتزال شخصية الترابى وأفعاله رغم كل ماقيل عنها أوكتب فيها عصية على الفهم ،مثيرة للجدل ،مربكة ،فالرجل لديه قدرة على الإتيان بأفعال مختلفة ،لايعرف اليأس أو الإحباط ،شخصيته متحررة من المخاوف .
وقداعتمد الترابي في عمله السياسي لتأسيس الحركة الإسلامية فى السودان على تقليد أساليب الشيوعيين، من خلال النشاط السري، واختراق الأوساط المتعلمة، و الجيش السوداني مع الابتعاد عن الصراع مع السلطة، بل التحالف معها في الغالب، في مواجهة النفوذ الراسخ للأحزاب الكبيرة، ويرى البعض أنه تأثر أيضا بالطريقة التى وصل بها آية الله الخمينى إلى السلطة ويستدلون على ذلك بخطبه وتصريحاته التى يلاحظ فيها انبهار الترابي بالطريقة التي وصل بها الخمينيون للسلطة ،. ولما لم يكن في وسع الترابي استنهاض ثورة مشابهة تحمله إلى الزعامة المطلقة ليكون روح الله أو آية من آياته في السودان، فأفرز عقل الترابي فكرة المزاوجة بين اتخاذ الانقلاب العسكري وسيلة للوصول إلى السلطة، ثم تثبيت دعائم الحكم على الطريقة الإيرانية.