حيّرتو الرئيس
8 May, 2010
كنت قد شاهدت في ألبوم صور قديم صورة للمتظاهرين في ثورة أكتوبر وهم يحملون أغصانا من أشجار النيم ويهتفون بها فرحا بسقوط النظام العسكري الديكتاتوري. في ذات الألبوم شاهدت صورا أخرى لمتظاهرين في موكب مهيب خرج في أعقاب انقلاب مايو 1969 تأييدا
للانقلاب، ورأيت ذات الشعب الذي خرج قبل أربع سنوات حاملا أغصان النيم هاتفا بسقوط الديكتاتورية يحمل ذات الأغصان مرحبا بانبلاج
فجر ديكتاتورية جديدة، وتكرر ذات المشهد في ثورة أكثوبر وما أعقبها من انقلاب في العام 1989 ورأيت ذات النيم فأحسست بتلك
الحيرة التي من المؤكد أنها انتابت النيم في أمر هذ الشعب، فكتبت مقالا عن تلك الحيرة الكبرى (حيّرتو النيم). بالأمس قال السيد الرئيس البشير إنه احتار في أمر المعارضة، فطيلة عشرين عاما هي مدة حكمه ظلت المعارضة تطالب بالديمقراطية
وبالتحول الديمقراطي، وما أن استجاب لمطالبها، واقترب من الوصول الى المحطة النهائية في منعطف التحول حتى تصاعدت نداءاتها بضرورة تأجيل هذا
التحول الذي تقول إنها قاتلت من أجله.
وللحق فإن الرئيس ليس وحده الذي انتابته الحيرة، فبالأمس عبّر أستاذنا الدكتور عبد الله علي إبراهيم عن حيرته تلك في (الأحداث)،
وفي الصحافة كتب الأستاذ إدريس حسن مقالا يدعو الأحزاب بعدم جدوى مقاطعة الانتخابات، وكما عبّر الطاهر ساتي وعثمان ميرغني عن
ذات الحيرة. وأعتقد جازما أن تلك الحيرة الرئاسية انتابت جماهير تلك الأحزاب التي ظلت تدفع للتسجيل والترشيح وأنهكت قواها
بالاجتماعات والندوات المستمرة، وفي نهاية الأمر تمّ صب ماء بارد على رأسها وطالبتها ذات القيادات التي أرهقتها وكلفتها من أمرها
عسرا، بقبول تأجيل الانتخابات قبل ثلاثة أسابيع فقط من الموعد المضروب والمنتظر لعشرين عاما!!
بالأمس تصاعدت وتيرة حيرتي وأنا أشاهد اجتماع ماسُمي بمندوبي مرشحي الرئاسة والذين أطلقوا نداءً يطالبون فيه الرئيس المنافس
كمرشح، بالتدخل لتأجيل الانتخابات لنوفمبر القادم.
هب أن الرئيس قد استجاب لتلك المطالب وأوقف الحملات الانتخابية، وأجّل الانتخابات، فماذا ستستفيد هذه الأحزاب؟ ما الضمان لأن تجد
الأحزاب حججا جديدة في نوفمبر لتأجيل الانتخابات لمابعد الاستفتاء.؟ إذا كانت الانتخابات معلومة التاريخ منذ العام 2005 ولم تجهز
الأحزاب نفسها، فكيف سيتسنى لها في خمسة أشهر إعداد نفسها.. إذا كانت الاحزاب مطالبة بنصيبها في
السلطة لتكون جزءاً من إدارة العملية الانتخابية، فهذه رفضت منذ نيفاشا فما الذي سيدعو المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الآن للاستجابة لتلك المطالب في غضون الخمسة
أشهر القادمة؟. لاشك أن الاحزاب تنتابها حالة عبثية الآن وفقدت القدرة على التقدير السياسي السليم وستدرك
بعد قليل أن الوقت لم يعد يكفي إلا للذهاب لصناديق الاقتراع وليس هنالك وقت للمناورات الصغيرة، وستضر في النهاية بحملتها الانتخابية وتجهجه جماهيرها بأكثر مما هي مجهجهة الآن. هذا كل مافي مقدور تلك الاحزاب أن تنجزه الآن، ولكن الأخطر هو التهديد
بالعنف الذي سيصاحب الانتخابات، والذي بدأت تلوّح به حال عدم استجابة المؤتمر الوطني لنداءات التأجيل، فالصراع السياسي شيء ومايمكن أن تنزلق إليه البلاد
من عنف وفوضى شيء آخر تماما، فلن يكسب أحد من العنف شيئا وهذا ما أدعو جميع الكتاب والصحفيين لمكافحته وعدم جعل صحفهم ومنابرهم
المستقلة أداة للترويج له..