دوله اسمها مصر والسودان … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم
16 May, 2010
وسط الجدل المحتدم حول الاتفاقية الإطارية الجديدة المقسمة لمياه نهر النيل بين دول الحوض ظهرت الي الوجود دولة جديدة اسمها " مصر و السودان". هذه الدولة يشار اليها بانها دولة المصب بالنسبة للنهر العظيم ، و يشار الي انها تستحوذ ، بموجب اتفاقية قسمة مياه النيل للعام 1929 المعدلة في العام 1959م ، انها تستحوذ علي 87% من مياه النيل. نتيجة لتلك المعطيات و لغيرها نشب صراع بين دول حوض النيل الاخري المسماة بدول المنبع و بين الدولة بمسمي " مصر و السودان" باعتبارها دولة مصب. اصبح موضوع الخلاف الدائر حول قسمة مياه النيل مادة دسمة للفضائيات و المنتديات السياسية. تم تناول الموضوع في برامج حوارية بعدد من القنوات حضرت منها ما تم بقناتي الحرة و ال ( B.B.C) العربية، اضافة لتقرير مختصر بقناة فرنسية. في معظم تلك الحوارات يشار الي الحقوق و الأنصبة و الإجراءات الخاصة بالسودان مدموجة مع مصر و تتم الاشارة اليها كما ذكرنا ب " مصر و السودان". حتي السودانيون الذين شاركوا في تلك الحوارات وقعوا في الفخ المنصوب بعناية او انساقوا اليه بإرادتهم او ربما بإرادة سياسية و دخلوا في ذلك الموقف غير الدقيق المتعلق بالموقع الجغرافي للسودان من النيل و بحصته و حقه في مياهه. كيف اصبح السودان دولة مصب؟ الاجابة تعتمد علي عدد من الاحتمالات منها إمكانية ان نهر النيل يصب في البحر الاحمر في مكان ما قرب بورتسودان او سواكن ، الاحتمال الثاني هو ان " مصر و السودان" قد أصبحا بالفعل دولة واحدة و بالتالي يصبح السودان بالفعل دولة مصب كما ان الإسكندرية الساحرة ، تصبح واحدة من المواني التي يمكن الاعتماد عليها في تصدير المنتجات السودانية كما يمكن الاستفادة من قناة السويس في الملاحة و تمويل الخزانة العامة السودانية. السودان بالطبع ليس دولة مصب و انما دولة ممر. حصة السودان من مياه النيل حسب اتفاقية 1929م المعدلة في 1959م هي 18 مليار متر مكعب ، اما حصة مصر فهي 55 مليار ، يصل الي مصر حسب معظم الإحصائيات حوالي 71 مليار متر مكعب ن وهي غير كافية لها نسبة لاستغلالها الكبير للمياه و ستبلغ احتياجاتها حتي العام 2017م حوالي 87 مليار متر مكعب. اما السودان فهو لا يستغل حصته الضئيلة من المياه كما ان هناك موارد مائية اخري ضخمة من الأمطار و الأنهار و الروافد الدائمة او الموسمية غير مستغلة و تبحث عن توظيف. في هذه الحالة ما هو السبب الذي يساوي بين نصيب "مصر و السودان" من مياه النيل في الوقت الذي تزيد فيه حصة مصر عن السودان بأكثر من ثلاثة أضعاف.
توقيع اربع دول من دول حوض النيل علي شكل من إشكال الاتفاقية الجدية و هي كل من ، اوغندا ، اثيوبيا ، رواندا و تنزانيا و موافقة كينيا عليها دون ان توقع ، ذلك التوقيع ادخل دول الحوض في واقع جديد. هذا الواقع اربك الحسابات و ادخل الكثير من اوراق اللعب الجديدة في الحساب. هناك الكثير من التحركات المعلنة و المستترة و كذلك الزيارات التي تمت و تتم في هذا الإطار. منها ربما زيارة الرئيس السوداني الي مصر مباشرة بعد الانتخابات و وصول وزير الخارجية المصري مصحوبا بعمر سليمان مدير الاستخبارات المصرية الي الخرطوم و جوبا إضافة لما يدور حوله الهمس حول زيارات لشخصيات رفيعة و عالية المستوي بشكل سري خاصة الي السودان. تزامنت زيارة وزير الخارجية المصري و مدير الاستخبارات مع وصول قادة حركة العدل و المساواة الي القاهرة و تمترسهم هناك. اربك ذلك الوضع حسابات الحرب في دارفور و ملفات الصراع المفتوحة بالدوحة الي درجة ادت الي تجميد مسار الدوحة. كل تلك الملفات شئون سياسية و امنية لا نملك الادوات للخوض فيها بالتفصيل. ما يهمنا هنا هو مستقبل السودان في الصراع الدائر حول مياه النيل ، باعتباره دولة ممر و دولة مهددة بالانقسام. ما هو مصير حصتنا من المياه في إطار الاتفاقية الجديدة و مع واقع انقسام السودان الي دولتين بشكل مؤقت في انتظار أي مفاجآت اخري في المستقبل؟ ما هو افقنا و فهمنا لمياه النيل و استغلالها و استثمارها بشكل يلبي المصالح الإستراتيجية لسودان المستقبل الذي سيختلف عن سودان اليوم؟ ما هي رؤيتنا و خططنا و مواقففنا من مشكلة المياه بشكل عام و مياه النيل بشكل خاص؟ ما هو مستقبل علاقتنا مع دول حوض النيل التي تربطنا بها علاقات عضوية و مصالح لا حصر لها؟ نحن في حاجة ماسة لاقامة علاقات إستراتيجية مع جميع دول الحوض. تربطنا بتلك الدول حدود و مصالح مشتركة و اتفاقيات اقتصادية مثل الكوميسا كما ان هناك مستقبل واعد للتبادل التجاري و إقامة استثمارات و مشاريع مشتركة مع جميع دول الحوض من وقع منها و من لم يوقع.
في هذا الواقع علي السودان بناء إستراتيجية واضحة ، خاصة به حول المياه و مياه النيل و فيما يتعلق بمستقبل علاقاته مع دول الحوض. في هذه الحالة لا يجدي التشبث بحبال دولة وهمية لا وجود لها. صحيح ان علاقتنا مع مصر إستراتيجية و أزلية ولا غناء عنها ، و لكن ما هو السبب الذي يمنع وجود علاقات مشابهة مع دول الحوض الاخري ؟ و منها ، علي سبيل المثال اثيوبيا التي تربطنا بها ايضا علاقات و مصالح لا حصر لها و لا فكاك منها . هذا الملف يحتاج الي مراجعة شاملة بالقراءة مع جميع الملفات و المصالح الاخري الداعمة لتماسك السودان و صيانة وحدته. في هذا الإطار اول ما يجب الاستفادة منه هو مدي استعداد مصر للمساهمة في وحدة السودان او تماسكه علي الأقل في وقت أصبح الحديث فيه عن ( وحدة جاذبة) اقرب الي الهزل منه الي الجد ، ثم ماهو أفق المساهمة المصرية في إيقاف الحرب العبثية الدائرة في دارفور و التي زادت استعارا خلال هذه الأيام بالتزامن الغريب مع تصاعد المشاكل الخاصة بمياه نهر النيل؟
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]