الزراعة ، هل من وجيع؟ … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم

 


 

د. حسن بشير
11 June, 2010

 

      من المؤكد ان السودان يمر بمنعطف خطير جدا في جميع أوجه الحياة و سيكون هذا العام حاسما في تاريخه و مستقبله. تشير نتائج الدراسات المهتمة بالتغيرات المناخية من مراكز الابحاث و المنظمات و الهيئات العالمية و الإقليمية و الوطنية الي ان السودان سيكون من اكبر البلدان المتأثرة ( سلبا) بالتغيرات المناخية. يعني ذلك ضرورة الاهتمام بنتائج تلك الدراسات التي تشير ايضا الي احتمال اقتراب دورة جفاف تضرب المنطقة و تضر بالانتاج الزراعي في الأعوام المقبلة ، و في انحسار مياه النيل هذا العام الي مستويات قياسية من التدني اشارة حمراء لكل ذي لب لكي يحتاط و يتعظ. اما موضوع الاهتمام بنتائج الدراسات و اخذها بالجدية المطلوبة و مقابلة ذلك بالعمل لتدارك المخاطر المحتملة فمن الواضح انه لا يجد ادني اهتمام في السودان ، هذا الامر يحتاج لتفسير حتي نفهم لماذا يتم إهمال ما تتوصل اليه الدراسات و الأبحاث العلمية من نتائج و ما تضعه من توقعات ، حتي عندما تكون تلك النتائج تشكل مسألة حياة او موت بالنسبة للمواطن السوداني او للوطن في ذات نفسه؟ هل يستطيع الساسة صناع القرار ان يشرحوا لنا اذن ، لماذا كرم الله الإنسان بالعقل و جعله اكبر نعمه عليه و ميزه به عن سائر المخلوقات الاخري؟ لم يخلق الدماغ بالطبع لوضع العمائم و أغطية الرأس.

   من الواضح انه لن يحدث أي اختراق في الزراعة هذا العام بالرغم من ان العام السابق كان فاشلا في موسميه الزراعيين ، الصيفي و الشتوي مما خلف واقعا مريرا من حيث معدلات الجوع لأعداد كبيرة من الناس في مختلف ولايات السودان و بشكل أوضح في الجنوب ، كما ان وضع الأنعام لم يكن افضل فالحيوانات تنفق في معظم ولايات السودان لنقص الغذاء و الماء و ضيق ذات اليد التي يمكن ان تأتي بالبدائل. بالطبع معظم سكان السودان لا يعتمدون في تأمين غذائهم ، بشكل مباشر علي الحكومة و لا يمكن ان يفعلوا ذلك ، في هذه الحالة اذا لم يتم إنقاذ الموسم الزراعي لهذا العام ، الذي يتوقع ان تهطل فيه الأمطار بمعدلات كبيرة ، فستعم ازمة الغذاء جميع مناطق السودان في السنوات القادمة التي تشير التوقعات الي انها ستكون عجافا. كما ذكرنا لم يحدث اختراق في الزراعة من حيث التمويل و الاستعدادات لإنجاح الموسم الزراعي و يبدو ان نتائج النهضة الزراعية ستكون كما كانت عليه في السنوات الماضية. مما زاد الامر تعقيدا ما يحدث في مشروع الجزيرة الذي يسود فيه عدم اليقين بعد الخصخصة المضطربة التي تمت هناك ، اذ ان حتي هذه الخصخصة هلامية و غير مفهومة. هنا ستبرز أسئلة حول خيارات المزارعين الذين يتمتعون بحق حيازة الارض دون ان يكون لهم نصيب في بنيات المشروع التحتية. ماذا سيزرعون؟ من أين سيحصلون علي التمويل؟ ما هي فرص نجاح زراعتهم في ظل الشد و الجذب بينهم و بين إدارة المشروع ؟ و ماذا سيفعلون بزراعتهم ، اذا زرعوا و نجحوا و حصدوا؟

  علي اية حال يمكن القول بان (حكومات) السودان غير مهتمة بهذا الموضوع او انه لا يأتي علي راس سلم أولوياتها. لقد أفرزت الانتخابات واقعا مربكا سياسيا و اقتصاديا و علي المستوي الاستراتيجي. المؤتمر الوطني الذي يبدو منتشيا بما حققه من نتائج خاصة به ، خاصة في المثلث المشهور ، يبدو انه غارق في ترتيب أموره و إحكام سلطته بشكل لا يترك لديه فراغ للاهتمام بشئون اخري، هناك الاستفتاء ، الإضرابات ، تداعيات الجنائية الدولية ، تقسيم الأنصبة الخاصة بالسلطة في الخرطوم و الولايات، مواجهة التحديات الداخلية في الحزب و هو بالمناسبة لم يشكل حكومته المركزية حتي دخول الموسم الزراعي هذا. اما الجانب الأخر لمشهد ما بعد الانتخابات فهو واقع لا يدعو الي التفاؤل في النيل الأزرق ، لان الوضع هناك مع الاستفتاء و المشورة لا يبشر بخير. كذلك الحال في جنوب كردفان التي تبدو غارقة في الصراع حتي النخاع و هي الان تتأرجح بين التعداد و الانتخاب و الوحدة و الانفصال بل تقف علي الحافة بين الحرب و السلام منتظرة مصيرا مجهولا. الوضع في دار فور ليس في حال أفضل، اذ أشارت التقارير الدولية خاصة من الامم المتحدة الي تزايد حدة الصراع مخلفا عددا اكبر من القتلي و النازحين مقارنة بفترة الهدوء النسبي التي سادت قبل التوترات الأخيرة بين الحكومة و الحركات المسلحة. اما ابيي موطن الجرح الرئيسي فهي تنزف و ستواصل النزيف و الوجع الي وقت لا يعلم مداه الا الله.

    في هذا الواقع المرير يأتي الموسم الزراعي لهذا العام المحوري. الناس اليوم لا يتشاركون في الماء و لا الكلأ ، لأنهما في ندرة و الناس في خوف من الجوع و لا يتمتعون بالأمن و الاطمئنان. ما بقي من شيء يتم تقاسمه الا النار ، لكن الناس عندنا يتشاركون شرها و ليس خيرها المقصود في الحديث النبوي الشريف. من كل ذلك نخرج بعبارة هي: ان الاهتمام بالزراعة هذا العام شأنا لا يدانيه اخر من حيث الأهمية و الاهتمام ، هي الجبهة الإستراتيجية الأهم و هي الخندق الأمامي و هي مربط الفرس. إذا أراد احد ان يحكم علي رشد الحكم او رجاحة عقل و فطنة او التأكد من عظم مسئولية ، فلينظر لما سيحدث في الموسم الزراعي الذي حل الان. بنتائجه سيتم الحكم علي الكثير من الأشياء، و علي نجاحه او فشله ستترتب العديد من الأمور، أول ما سيبحث عنه الناس هو الاستمرار في الحياة ، و لذلك الشرط يلزم توفر الغذاء ، و ليحدث ذلك يجب ان تنجح الزراعة . اما الخيارات الاخري فهي اما غير محسومة او غير مجدية ، او ربما لن تتوفر أصلا مع ما يمكن ان يحدث مع تداعيات تقرير المصير و ما يتبعها من ملفات. انتبهوا جيدا لزراعتكم هذا العام ، فهي التي تنفعكم و تبقي لكم في الأرض. 

 

Dr.Hassan.

hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء