لحن الوفاء لأحمد المصطفى.. و دمعة حرّى …. بقلم: د. عمر بادي

 


 

د. عمر بادي
13 June, 2010

 

عمود : محور اللقيا

في نهاية مقالتي السابقة ( الوفاء لأهل العطاء ) كتبت عن الأستاذ الفنان الراحل أحمد المصطفى و الذي كان يلقب ب (الأستاذ ) إحتراما و تقديرا لشخصه و لعطائه الفني , كتبت أنه في الفن الحديث كان يشابه الفنان محمد أحمد سرور في فترة الحقيبة في شخصيته المهذبة و في الإهتمام بهندامه و في أخلاقه الفاضلة المثالية حتى رفع من قدر الفنانين أمام الناس . لم يكن يحتكر فنه بل كان بكل أريحية يوافق أن يغني الفنانون الشباب أغنياته كما يغنيها هو دون إدخال إضافات عليها , و قد شاهدته في حفل في كلية التمريض العالي في السبعينات و هو يشرح لفنان شاب آنذاك و العود في يده كيف يؤدي أغنية له كان ذلك الفنان يرددها في حفلاته ! الفنان أحمد المصطفى توفي في يوم 30/ 10/ 1999 بعد معاناة طويلة مع المرض , يرحمه الله .

 لقد ذكرت للقراء أنني قد تلقيت كلمات من الدكتور بابكر إدريس الحبر عن الأستاذ أحمد المصطفى , و الدكتور الحبر هو صهر الأستاذ , أي زوج إبنته . لقد وعدت القراء الكرام أن أقوم بنشر تلك الكلمات كاملة و هأنذا أقوم بذلك... فإليكم ما كتبه الدكتور الحبر :

أحمد المصطفى الذي عرفته بحق هو هبة الله ذو المواهب , الذي وهبه الله للناس , فلم يكن لنفسه حظ من نفسه , ( أحمد المصطفى وقف للبشر )  هكذا قال عنه مولانا الأستاذ الشيخ إدريس الحبر . ( أحمد المصطفى فيه خير كثير ) هكذا قال عنه الولي الشيخ البشير رجل شمبات الشهير . ( عجزت النساء أن تلد مثل أحمد في عصرنا هذا ) هكذا قال عنه محمد حمد شيخ القبيلة و البلد . حقا لقد عاش أحمد للناس , فأفنى عمره في قضاء حوائج الناس , و كان لا يرى في ذلك بأسا , فقد حمل بين جنبيه هموم الناس و سعى في كشفها بهمة لا تعرف اليأس , فكم من كبد رطبة نال بها أجورا , و كم من نفس مهمومة أدخل عليها سرورا , فهذا دأبه و ديدنه , فله درّه !  لأجل الناس أنفق ماله و أمضى وقته , و قد حباه الله بنبيل الصفات فأهّله ليكون كما عرفه الناس الذين تلهج ألسنتهم  بمدحه مدحا تفرد به بين أهل زمانه , فلم يشذ أحد عن التوافق مع ما أجمع الناس عليه إجماعا صار إيقاعا رائعا و لحنا فريدا هو لحن الوفاء لأحمد المصطفى . لم لا و أحمد المصطفى هو الدفء و الحرارة و الطاقة الجبارة , و هو الخضرة و النضارة , و هو الخبرة و المهارة , و هو الفطنة و النجابة , وهو الإلفة و المهابة , و هو المطبوع على حب الخير و تفضيل الغير , و هو المضياف الوطأ الأكناف ذو التجارب و المراس , الذي يعرف قدر الناس , قليل التشكي مهما عظم البأس , مرهف الإحساس , يحب الفأل و يبغض اليأس , مشمّر الساعد لكل قاص و دان , و ساقه تسعى بغير توان .

هو صانع المعروف , بيته فسيح منيف مهيب مألوف , عامر بالخير للضيوف , خفيف الظل , راجح العقل , متئد الخطو , مشرق الوجه , زاهٍ في غير زهو . أحمد الهمام حسن الهندام , سمح الكلام , حسبه القليل من الطعام , صنع المجد و صاد الغمام . هذا أحمد المصطفى الإنسان , أبو الإحسان مدرج العطلان عفيف اليد و اللسان , شمعة مضيئة مدى الزمان , و قلب كبير ملؤه الحنان  , هذا احمد المصطفى الفنان . لا زلت أسمع صوته الريّان , أحمد المصطفى الأستاذ , معطاء ليس بأخّاذ , للصارخ و الملهوف ملجأ و ملاذ . هو في الشدة سيف الحادثات , تقضى على يده للناس حاجات . رقيق عطوف , فإذا جد الجد فهو أرهف السيوف , هو دعوة أمه المجابة الحنون , بنت الزين الصالحة المصون ( جوهرة العيون و درة السنون ) .

سنذكر ما دمنا على قيد الحياة أحمد . إني أرى في كل شيء حولنا أحمد . مشيدا المدرسة و البيارة , و الشفخانة و الإنارة , و منشئا بص الدبيبة , قرة عينيه الحبيبة , و شارع العيلفون , شارع المعمّر المعبّد . لقد زال عنا العناء حين جاء أحمد بالكهرباء . جاء أحمد بالماء فنسينا البئر و الشقاء . هذا أحمد العَلم , سليل الأرباب رمز الكرم , حسب عظيم منذ القدم , فهو ذو حسب قديم , أقام لنفسه حسبا جديدا , إذا ما إدعينا له في الناس فخرا ( تقيم له مكارمه الشهودا ) . أحمد المصطفى أهو طيف خيال ؟ لا , بل هو طيف ألوان , فهو البساطة و الفخامة , و هو الرقة و الصرامة , هو الفن و الإستقامة , هو العود و الكرامة , هو البدلة و العمامة , هو الغصن و الحمامة , هو النبت و الغمامة , هو الصبوح حسن القامة , هو الأصالة و الشهامة , هو الحضارة و البداوة , هو الحفاوة و التمر النقاوة , هو الحداثة و العراقة , هو الذواقة ذو الأناقة , هو الإلفة و المهابة , هو الغيث و البحر , هو الحُر , الجواد الأغر , إبن السودان الأبر , لوادي النيل فخر , لقاؤه بِشر و وداعه مر . ندمع العين و نذرف الدمع , لله الطاعة و السمع .

تلتاع النفس و ينفطر القلب , و لا نقول ما يسخط الرب , و كلنا ماشٍ على الدرب . فلنرفع الأكف بالدعاء , و لنسأل الإله خالق السماء , و لنا في الله حسن الرجاء . تغمد الله الفقيد بالرحمات و أدخله واسع الجنات , أدخله جنة النعيم يا صاحب الفضل العظيم , أدخله جنة الفردوس يا عالما بالسر و النفوس , أدخله جنة الرضوان يا كريم الصفح يا منان . توسلنا إليك بالقرآن و بالمشفع و السبع المثان , يا واحد يا أحد ما له من ثان , أحمد سمي المصطفى أرفعه في أعلى الجنان .

                      د. بابكر إدريس الحبر , جامعة الملك فيصل - الهفوف

omar baday [ombaday@yahoo.com]

 

آراء