سألت هلين توماس جادة: من سيكون سفير الخرطوم في جوبا …. بقلم: طلحة جبريل
15 June, 2010
talha@talhamusa.com
من السهل جداً ان تلتقي في واشنطن مع هلين توماس، المراسلة الصحافية الأشهر في العالم، لكن من الصعب جداً ان تحصل منها على حديث ذي فائدة على الرغم من انها مستودع اسرار. ربما تجاملك ببعض العبارات ، لكنها في الغالب تحجم عن الدخول في التفاصيل.
هلين توماس التي شغلت هذا الاسبوع الصحافة الامريكية بعد قرارها التقاعد وهي على اعتاب التسعين، عقب تصريحات حول اسرائيل اثارت عليها عاصفة من الانتقادات، ظلت تحتفظ ولعقود بمقعدها في الصف الامامي داخل غرفة المراسلين الذين يحضرون يومياً في البيت الابيض اللقاءات الصحافية، او ما يسمى " الايجاز اليومي" مع المتحدث باسم أهم " مكتب في العالم" كما يقول الامريكيون.
شخصياً أجد نفسي ممتن لهذه السيدة في موضوع له علاقة ببلادنا. حين حصلت منها على معلومات لا تقدر بثمن بشأن موقف إدارة الرئيس السابق جورج بوش، وكذا الموقف المتوقع من ادارة باراك اوباما حول موضوع الجنوب.
سأقول لكم كيف تم اللقاء مع هلين توماس، وماذا سمعت منها ، وما قلته لها. لكن قبل ذلك دعونا نتوقف حول ما قاله البيت الابيض بشأن اللقاء الذي جرى بين جو بايدن نائب الرئيس الامريكي وسلفا كير النائب الاول لرئيس الجمهورية في العاصمة الكينية نيروبي، لان الجنوب كان بالضبط هو الموضوع الذي دار بشأنه الحديث مع هلين توماس.
يقول البيت الابيض في بيان حول لقاء بايدن مع سلفا كير الذي جرى يوم الاربعاء الماضي " ...خلال الاجتماع أكد نائب الرئيس التزام الولايات المتحدة القوي بتنظيم استفتاء حق تقرير المصير في موعده (يناير المقبل) وبطريقة تعكس مصداقية وارادة شعب جنوب السودان. وأقر نائب الرئيس بالتحديات التي تواجه ترتيبات تنظيم الاستفتاء ، وشدد على حاجة قيادة الجنوب والمجتمع الدولي ان يتعبأ ليتاكد ان جميع التدابير اللازمة ستتخذ من أجل ضمان نتيجة سلمية معترف بها دولياً. وعرضت الولايات المتحدة دعماً سياسياً ومالياً وفنياً من اجل هذا الغرض. وأقر نائب الرئيس (بايدن) بالخطوات الكبيرة التي بذلت في الجنوب لإقامة مؤسسات الدولة وحكم مسؤول منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005 ، لكنه شدد على ان الكثير من الجهد يجب أن يبذل للرفع من قدرات وكفاءة وشفافية تلك المؤسسات، بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء. وحث نائب الرئيس الجنوبين الدخول في محادثات مع الخرطوم بشأن ترتيبات الاستفتاء . ولاحظ ، اي بايدن، انه تبقى وقت غير كاف قبل استقلال محتمل للجنوب، لمعالجة عدة قضايا معقدة لم تحل ومنها ، ترسيم الحدود، تقاسم عائدت الثروة، وحقوق المواطنة. وتعهد نائب الرئيس مواصلة تحويل الجيش الشعبي لتحرير السودان، الى جيش محترف،مع الاقرار بالتهديدات الأمنية الخطيرة التي تواجه الجنوب".
من خلال هذا البيان يتضح التالي:
- التزمت واشنطن التزاماً قاطعاً تنظيم الاستفتاء في موعده ودون إبطاء او تأخير، وهذه رسالة واضحة الى النظام في الخرطوم.
- ستساهم امريكا في تمويل عمليات الاستفتاء وتقديم الدعم الفني، اي انها ستراقب عن كثب العملية.
-تلقي واشنطن بظلال من الشك حول كفاءة ونزاهة مؤسسات الحكم في الجنوب وتطالب الجنوبيين بجهد اضافي لتحقيق ذلك.
-تدعو واشنطن الجنوبيين الدخول فوراً في حوار مع الشمال حول مواضيع الحدود وتقسيم الثروة وحقوق المواطنة في الجانبين.
-قررت واشنطن دعم الجيش الشعبي لتحرير السودان ليتحول الى جيش محترف.
-المحت واشنطن لاول مرة ان موضوع " استقلال الجنوب" بات وشيكاً.
أعود الآن الى وقائع اللقاء مع هلين توماس .
اللقاء سهل مع هيلين توماس لانها كانت موجودة باستمرار في غرفة اللقاءات الصحافية في البيت الابيض ، كما اعتادت ان تتناول عشاء مبكر في مطعم " نادي الصحافة الامريكي" في واشنطن ، وذلك مكان أمضيت فيها معظم نهاراتي وامسياتي في العاصمة الامريكية خلال سنواتي هناك.
ذات مساء استأذنتها في ان نتشارك طاولة الأكل نفسها، لان المطعم كان يغص بالأعضاء وضيوفهم ، حيث لم يكن يسمح لزائر تناول وجباته هناك الا إذا كان برفقة أحد الاعضاء. رحبت هلين توماس بالاقتراح.
وكما هي عادة اولئك الناس مددت يدي مصافحاً وقلت لها " فلان ... صحافي سوداني اتولى رئاسة مكتب صحيفة الشرق الاوسط هنا".علت وجهها علامة ارتياح ، وهي تقول " السودان ، آه تفضل، تفضل، أريد ان اسمع منك الكثير".
هكذا كانت البداية طيبة ، قلت لها بعد أن اقتعدت مقعداً حول الطاولة ، متوقعاً أن يكون اللقاء دسماً ومفيداً وممتعاً. ماذا تريدين ان تسمعي يا سيدتي عن السودان ؟
قالت " انا من اصول لبنانية فقد ولدت في ولاية كنتكي من ابوين لبنانيين من طرابلس ، لكنني لا اعرف الكثير عن السودان اريدك ان تقول لي ما هو موضوع دارفور، هل صحيح ان سكان دارفور واهل الجنوب يطالبون بالمساواة والديمقراطية والشمال يرفض ذلك".
أعجبني جداً السؤال ، وتوقعت أن يكون الحديث ممتعاً بالفعل.
" قلت لها يا سيدة هلين، انا من الشمال، واطالب بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان ، اذاً الأمر لايتعلق بالجنوب او دارفور ، هناك لديهم مظالم اخرى، لكن الديمقراطية كما تفهمونها في امريكا يطالب بها شماليون اكثر من الآخرين ، لسبب بسيط لان مستوى الوعي في الشمال متقدم " وأضفت متعمداً " هل تعرفي أن سفيرنا هنا في واشنطن(كان ايامئذٍ جون اكيج) تعرض لانتقادات شديدة عندما قال في لقاء مع جالية سودانية في بنسلفانيا أن الجنوبيين لهم مرارات مع دارفور لان الجيش السوداني ايام الحرب بين الشمال والجنوب كان يضم عددا كبيراً من الجنود يتحدرون من الاقليم ، وكانوا قساة مع اسرى الحركة الشعبية" على حد اعتقاده.
واستمر الحوار بيننا على هذا المنوال. حديث حاولت خلاله قدر الامكان أن اشرح لها قضية دارفور ، وكان رأيي ان سكان الاقليم يعانون ظلماً مزدوجاً، إذ هم لم ينعموا قط بالتنمية منذ استقلال البلاد، وحين اندلعت الحرب تعرضوا للقتل والتشريد.
سألت هلين توماس عن موقف إدارة جورج بوش من موضوع الجنوب، وقالت بلهجة حاسمة " اسمع لا تصدق ما يقال علناً، الادارة الحالية (ادارة بوش) لن تكون هنا عند تنظيم الاستفتاء ، لكنها منذ الآن تعمل على قيام دولة في الجنوب ، وهي مهتمة بالدرجة الاولى يقيام جيش قوي في الجنوب ، واذا جاء الديمقراطيون سيسيرون في الاتجاه نفسه اي بناء جيش الجنوب وقيام دولة هناك". ثم راحت تشرح مبررات تلك الخلاصة.
واتذكر انه في نهاية حوارنا، سالتني " ترى من سيكون سفير الخرطوم في جوبا بعد الانفصال؟". كنت أظن انها تمزح، لكنها اضافت جادة " قرأت كتاباً حول انفصالكم عن مصر، واعتقد ان مشكلتكم أنكم ربما لم تختاروا السفراء المناسبين في القاهرة ؟ " واضافت " هل تعرف ان مشكلة اللبنانيين ان ليس لديهم سفير مناسب يذهب الى دمشق ويمكن ان يكون عمله ايجابياً".
أكيد ان الامريكيين يمنحون سفراءهم صلاحيات واسعة، وهم الذين يساهمون فعلاً في إدارة سياسة بلادهم في الدول التي يعتمدون فيها ، وبالتالي ربما تحدثت هلين توماس وفي ذهنها هذا الفهم لدور السفراء. بيد انني في ذلك الوقت ، اعتبرت حديثها مجرد مزحة ارادت ان تختم بها حوارنا الممتع في مطعم نادي الصحافة في واشنطن.
وكان أن التقينا عدة مرات بعد ذلك ، وفي يوليو من العام الماضي ، التقيتها لآخر مرة في نادي الصحافة وكنت وقتها اتأهب لمغادرة امريكا، وفي دردشة عابرة تحدثت عن سكوت غرايشن مبعوث الرئيس اوباما الى السودان ، وقالت جازمة " الديمقراطيون سيكون اكثر حماساً لانفصال الجنوب".تذكرت ذلك التاكيد وانا اطالع الاربعاء الماضي البيان الذي صدر عقب محادثات نائب الرئيس الامريكي جو بايدن مع سلفا كير في العاصمة الكينية نيروبي .
اختم هذا الحديث عن هلين توماس ليس بتصريحاتها القوية التي انتقدت فيها اسرائيل، بل بالواقعة التي جعلت البيت الابيض في عهد جورج بوش يطلب منها الانتقال من الصف الاول الى الصف الاخير، ومنعت من طرح اي سؤال على بوش الى ان تصالح معها في آخر سنوات حكمه .
إذ عقب عشاء اقامه جورج بوش عام 2005 لمراسلي البيت الابيض، سالها أحد المراسلين المغمورين كان حاضراً في ذلك العشاء " لماذا انت حزينه سيدة هلين؟" واجابت دون تردد " لانني أغطي فترة حكم أسوأ رئيس في التاريخ الامريكي" وكانت قالت عن ديك تشيني نائب بوش " في اليوم الذي سيقرر فيه تشيني ان يترشح للرئاسة ، ساقتل نفسي...كاننا نحتاج الى كذاب آخر في الرئاسة... اعتقد انه سيكون يوماً حزيناً في تاريخ البلاد اذا قرر ان يترشح".
حتى باراك اوباما الذي ولد مثلها في الرابع من اغسطس ، لم يسلم من اسئلة هلين توماس المحرجة ، إذ عندما كان يتحدث في احد مؤتمراته الصحافية عن البرنامج النووي الايراني، سألته صاحبة كتاب " في الصف الامامي داخل البيت الابيض" " سيادة الرئيس هل تعرف ان هناك دولة نووية اخرى في منطقة الشرق الاوسط من غير ايران؟".
عن " الأحداث"
مقالات سابقة
جميع المقالات السابقة والمنشورة في موقع الجالية السودانية في منطقة واشنطن الكبرى يمكن الاطلاع عليها عبر هذا الرابط
http://www.sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=1&sacdoid=talha.gibriel&sacdoname=%D8%E1%CD%C9%20%CC%C8%D1%ED%E1