دنيا بت كلب!! … بقلم: عادل الباز
30 June, 2010
للرئيس الأمريكي «هاري ترومان» عبارة شهيرة «إذا كنت تبحث عن صديق في واشنطن فاشترِ لك كلبا»، ومن يومها أصحبت واشنطون عاصمة للكلاب كما هي عاصمة للسياسة العالمية، فأصبح عدد مقتني الكلاب في أميركا وحدها (68) مليون إنسان.. كان ذلك قبل سنوات وليس ثمة إحصائية جديدة حول عدديَّة الكلاب الآن في العاصمة السياسيَّة لأمريكا، ولكن مؤكد أنها تضاعفت على أيام المحافظين الجدد. أحدث الصيحات في عالم الكلاب هو حفلة الزواج الجماعي الذي جرى بالنمسا بمناسبة يوم عيد الحب (فالنتاين). كما شهدت النمسا نفسها من قبل تأسيس أول حزب للكلاب أُطلق عليه اسم «حزب الكلاب النمساوي» الذي تمّ تسجيل برنامجه السنوي لدى السلطات بعد انتخاب المحامي «رودلف ماير» رئيساً له. كما أعلنت السلطات النمساوية قوانين خاصة للزوجين الراغبين في الطلاق ولديهم كلب مشترك لمن يكون له حق الحضانة. وفي اليابان تم اختراع هاتف نقّال خاص بالكلاب للأشخاص الذين يرغبون في سماع صوت كلابهم كلما اشتاقوا لها خلال يوم العمل.
مناسبة هذا المقال (ابن الكلب) هو الحملة الصحفيَّة التي دشنتها السيرجنت «ببرج جوين» المجندة بالجيش الأمريكي بالعراق والتي أذاعت فيها أن الجنود يتعاملون مع الكلاب بقسوة وينفرون منها لأنهم يخشون أن تحمل الأمراض. وكان محور الحملة هو الحقوق الضائعة للكلاب في الجيش الأمريكي. ادَّعت «ببرج» أن حقوق الكلاب في العراق وأفغانستان مهدرة وأقل من حقوق البني آدمين ومن ثم نهضت جمعيات حقوقيَّة غير حكوميَّة معنيَّة بأمر الكلاب، طالبت بتقييم الكلاب العاملة في أفغانستان والعراق من ناحية الحقوق بدرجة لا تقل عن الجنود الأمريكيين. وكان رقيبٌ في الجيش الأمريكي من الوحدة البيطريَّة قد أطلق تصريحات أكد فيها أن أعداداً كبيرة من الكلاب المدرَّبة تمزقت بسبب عثورها على مواد متفجرة أو وقعت في شرك كان معداً للقوات الأمريكية ففارقت الحياة من شدة الانفجار!! بالله شوف دنيا بت كلب!!. الجدير بالذكر وبناءً على الإستراتيجية الأمريكية الجديدة سيصل عدد الكلاب في العراق وحدها إلى (1200) كلب بوليسي.
في ذات اليوم الذي نشرت فيه تقارير الكلاب هذه (23 يونيو) نشرت «شيري بلير» مديرة مؤسسة (لوميا) وهي مؤسسة معنيَّة بحقوق الأرامل في العراق وأفغانستان تقريراً قالت فيه إن 2 مليون امرأة أفغانية و(740) ألف امرأة عراقيَّة فقدن أزواجهنَّ نتيجة الصراعات القائمة. وقال التقرير إن الأرامل في البلدين بلا حقوق وأنهنَّ يشعرنَ أن تضحيات أزواجهنَّ للوطن بلا ثمن (يعني ماتوا سمبلة). السيدة «ببرج» لم تسمع بتقرير الأرامل ولو أنها سمعت به لن تعدل عن رأيها في مطاردة حقوق الكلاب لتطارد حقوق الأرامل فهي غير معنية بحقوق النساء العراقيات والأفغانيات اللائي ترمَّلنَ بسبب الحروب الأمريكية!!. إذا كانت السيدة «ببرج» ليست معنيَّة بحقوق الأرامل فمن هو المعني بتلك المأساة؟ من المؤكد لا كرزايات كابول ولا بغداد معنيين بتلك المأساة!!
أعلن تقرير ذو صلة أعدته مؤسسة «ميريل لينش» عن الأثرياء في العالم ونُشر في ذات اليوم (23 يونيو) أن بأمريكا 2 مليون ثري وباليابان مليون وستمائة وخمسون مليون ثري وشهدت سويسرا أعلى كثافة للمليونيرات بلغت حوالى 35 لكل ألف من البالغين. هكذا يقف الفقر والحرب والترمل بجانب والكلاب والأثرياء بالضفة الأخرى من العالم، فأي عالم ذلك الذي نعيشه اليوم؟.
من حقوق الكلاب المصونة إلى حقوق الأرامل المهدرة تتموضع العدالة العالميَّة في أقسى تجلياتها المأساوية مترافقة مع ثراء فاحش يتخم الأثرياء. الغرب الذي تتعاظم ثرواته ويغدق على كلابه مقابل هدر كل قيمة تخص الآخر المغاير لهو بحاجة قبل أن يعلِّم الآخرين قيم الديمقراطيَّة وحقوق الإنسان أن يتأنسن هو نفسه، فالقيم الإنسانية التي يزعم انه رسولها تفقد معناها لو اهتمت بالكلاب أكثر من اهتمامها بالأرامل. متى يدرك الغرب أن الكراهية والإرهاب تزدهران بأقبية البؤس والحقوق المهدر؟.