بين السودان وفرعون ليبيا!! … بقلم: الطيب مصطفى
4 July, 2010
زفرات حرى
ويأبى فرعون ليبيا إلا أن يواصل كيده للسودان وهل ذاق السودانيون طعماً للراحة منذ أن جثم القذافي على أنفاس الشعب الليبي منذ 41 عاماً من القهر والإذلال والطغيان والجبروت أهدر خلالها كرامة ليبيا وشعبها المكلوم المغلوب على أمره معتبراً ليبيا وشعبها المسكين مسرحاً لنزواته وطَيشه ومغامراته وهل من تمرد في العالم لم يكن للرجل فيه دور فارضاً نفسه عليه حاشراً أنفه ومتوليًا كبره؟! لكم أدهش الرجل العالَم حين ولغ في دعم ثوار نيكاراجوا البعيدة والجيش الجمهوري الإيرلندي ولكم تدخل في الشأن السوداني وأثَّر في مسيرة السودان السياسية وهل ينسى أبناء السودان دعمه اللامحدود لقرنق الذي لولا دعم القذافي اللامحدود لانتهى في السنوات الأولى من تمرده اللعين؟!.
لعل القراء يعلمون عن آخر أخبار استضافة القذافي للمتمرد خليل إبراهيم وإصراره على ذلك حتى بعد أن اتصل به الرئيس البشير شخصياً قبل أيام قليلة رغم علم راعي الضأن في بوادي السودان أن قوات خليل تقوم هذه الأيام بالسلب والنهب والقتل وترويع المواطنين في مناطق مختلفة من دارفور بل إن ضيف القذافي يهدد ويتوعد من العاصمة الليبية بأنه سيجتاح مدن دارفور مثل نيالا والفاشر وصولاً إلى الخرطوم وبالرغم من ذلك تمد حكومتنا السنية له حبال الصبر متناسية أو متجاهلة أمر القبض الصادر بحق خليل إبراهيم عبر الإنتربول بكل ما يعنيه ذلك من إلزام للقذافي بتسليم الرجل إلى السودان أو إلى الإنتربول ولكن هل من خارج على القانون الدولي وعلى الأعراف الدولية مثل القذافي الذي لا أشك لحظة واحدة أنه يخدم أجندة دول توظِّفه لتحقيق أهدافها الإستراتيجية؟!.
بعد حديث البشير للقذافي صرح «مسؤول ليبي رفيع» لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية بأن «خليل يُعتبر ضيفًا على القذافي شخصياً ولا مجال لإبعاده) ويستمر فقع المرارة حين يعلِّق وزير الخارجية السوداني علي كرتي على ذلك «معرباً عن تقدير السودان لمواصلة الجماهيرية الليبية جهودها ودعمها للسلام والاستقرار في السودان مثمِّناً حرصها على استكمال مسيرة السلام وتحقيق الاستقرار في دارفور» وليت كرتي سكت وحافظ على شيء من ماء وجهه وماء وجه السودان!!
ثم تأتي الأنباء تترى عن مطالبة خليل بإقامة منبر تفاوضي في طرابلس بدلاً من الدوحة ولا أحتاج إلى تفصيل لعبة تبادل الأدوار بين طرابلس والقاهرة التي تُحيل بعضاً من ملفاتها إلى القذافي دفعاً للحرج كما حدث عندما نقلت خليل إلى طرابلس بعد احتجاج الحكومة السودانية!!
بربكم هل كان أمام الحكومة خيار آخر أقل من قطع العلاقات مع ليبيا، خاصة بعد حديث البشير للقذافي، وذلك على سبيل الانتصار لكرامتها وكرامة الشعب السوداني كما فعل النميري قديماً حين استنفر أبناء السودان لدفع (مال الكرامة) لجار السوء القذافي سداداً لدين قديم للرجل المتقلب الذي كل يوم هو في شأن.!!
أتخشى الحكومة ما يمكن أن يُلحقه بنا من أذى من خلال دعم جديد لخليل يجتاح به دارفور كما فعل قُبيل غزو خليل لأم درمان؟! ماذا بربكم يفعل القذافي أكثر مما فعل من قديم ويفعل اليوم؟! إن الحكومة السودانية تحتاج إلى أن تتعامل مع الفيل وليس مع الظل فليبيا دولة من ورق لا تملك جيشاً ولا قوة وهل أدل على ذلك من الهزيمة النكراء التي ألحقها بها الجيش التشادي في مثلث أوزو عام ١٩٨٧؟!.
لقد عانى السودان كثيراً منذ أن اعتلى القذافي عرش الحكم في ليبيا فقد قصفت إحدى طائراته الإذاعة السودانية عام ١٩٧٦ واعترضت طائراته طائرة بابكر النور وهو قادم إلى السودان من لندن غداة الانقلاب الشيوعي عام١٩٧١ وانطلقت المعارضة السودانية من داخل أراضيه لتغزو الخرطوم فيما عُرف بغزو المرتزقة عام ١٩٧٦ وجاء دعم قرنق اللامحدود ثم جاءت مشكلة دارفور بكل تدخلات طاغية ليبيا بما في ذلك دعمه لخليل إبراهيم بالمئات من عربات الدفع الرباعي المحمَّلة بالأسلحة هذا فضلاً عن دعم مني أركو مناوي وعبد الواحد محمد نور وها هو اليوم يفعلها مجدداً في وقت تعربد فيه قوات خليل إبراهيم وتقتل وتخرب!!
إن على الحكومة السودانية أن تبذل جهداً دبلوماسياً تكشف فيه لبعض الدول الصديقة ما يفعله القذافي وما تُضمره مصر الرسمية من كيد للسودان وأخص العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يعلم عن نزوات القذافي الكثير وكذلك قطر وسوريا والإمارات وبعض دول العالم الإسلامي وهؤلاء جميعاً يمكن أن يقدموا من الدعم حتى ولو في شكل قروض ما يُلجم هذا المغرور ويردُّه على عقبيه.
إن ممارسات القذافي في السودان تتسق مع الأجندة الصهيونية التي عبّر عنها وزير الأمن الإسرائيلي آفي ديختر الذي قال إن السودان ظل جزءاً مهماً من الإستراتيجية الإسرائيلية التي ظلت تعمل على إغراق السودان في الفوضى والاضطراب السياسي حتى تحُول دون انطلاقه وحتى تمنعه من أن يصبح قوة وإضافة إلى محيطه العربي والإسلامي ولم تنسَ إسرائيل بالطبع دور السودان في قمة اللاءات الثلاثة التي استطاع السودان أن يكفكف بها دموع العرب ويُعدّهم للمعركة القادمة بشعارات الصمود في أعقاب هزيمة حزيران ١٩٦٧ فهل يستطيع السودان المثخن بالجراح اليوم أن يلعب الدور الذي اضطلع به آنذاك؟! أجيب باستحالة ذلك جراء ما قامت به إسرائيل وأمريكا وجيران السوء من تآمرٍ على السودان وإضعافٍ له.
لعل الناس يذكرون كيف لقّن الرئيس السادات طاغية ليبيا درساً بليغاً حين حاول أن يلعب «بذيله» مع مصر فكان أن تأدّب إلى الأبد تماماً كما تأدَّب مع تشاد عقب هزيمة مثلث أوزو بل إن قيام القذافي بتفكيك أجهزة تخصيب اليورانيوم قبل أن يُطلب إليه ذلك بمجرد أن سمع عن اعتقال صدام حسين يكشف طبيعة الرجل الخوّار الذي لا تجدي معه غير «العين الحمراء» فهلاّ أدركت الحكومة السودانية هذه الحقيقة بدلاً من ترديد العبارات الفارغة التي تعلم ويعلم ذلك الطاغية أنها لا تعبِّر عن الواقع والتي تعلم كذلك أنها لن تكفّ يد الرجل عن التدخل في الشأن السوداني بقدر ما تزيده صلفاً وغطرسة وغروراً؟!.
إن أمام الحكومة خيارات عدة في التعامل مع القذافي بعد إنذاره منها أن تستنفر الشعب السوداني كما فعل نميري وستجد استجابة كبيرة خاصة وأن شعب السودان الشمالي ملتفّ حول قيادته كما أثبتت الانتخابات ويؤذيه هذا الطغيان وهذه الإهانة من رجل لا يملك من أسباب القوة شيئاً يُذكر فهلاّ كشّرت الحكومة عن أنيابها في وجه فرعون ليبيا الذي بلغ من طغيانه درجة لا إخال أن فرعون مصر قد بلغها حين قال لشعبه «ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد»؟ فهل يملك الشعب الليبي أن يقول شيئاً أمام الطاغية الذي ظل جاثماً على صدره منذ ستينيات القرن الماضي بل هل يملك الشعب الليبي أن ينبس ببنت شفة أمام أبناء القذافي الذين يحتلون من يوم مولدهم مواقع أكبر من مواقع الوزراء؟!.
بربكم ماذا فعل السودان للقذافي لكي يكيد له ويتآمر ويشنّ الحرب عليه؟! ألم يدفع ثمن موقفه المؤازر لليبيا إبان فترة العقوبات المفروضة عليها جراء أزمة لوكربي؟! ألم يكن السودان مبادراً بكسر الحصار المفروض على ليبيا حين هبطت أول طائرة في مطار طرابلس عام ١٩٩٨؟! ألم يطرد السودان المعارضة الليبية من الإسلاميين المسالمين بينما يقوم جار السوء باحتضان كل من يتآمر ويتمرد على السودان بل ويزوِّده بالسلاح ووسائل النقل؟!.
لن ينسى الشعب السوداني طرد السودانيين بملابسهم الداخلية بعد إخراجهم من السجون الليبية فلكم عانى السودانيون من تضييق واضطهاد النظام الليبي وهل أدل على ذلك من أحداث الزاوية التي طالت جميع الأفارقة الذين يعمل ملك ملوك إفريقيا على جمعهم تحت إمرته في اتحاد إفريقي لم يحظَ بالقبول رغم إصرار الرجل واستعداده لإهدار أموال ليبيا في سبيل تحقيقه إشباعاً لنزوته الطاغوتية وغروره المجنون؟!.
لن أتحدث عن تصرفات القذافي التي يتندّر بها العالم أجمع بدءاً من خيمته العجيبة والنساء الحُمّل اللائي يحرسنه (إحداهنّ كانت في شهرها التاسع) وجمعه لزعماء القبائل الإفريقية خلفه وهو يدخل إلى قاعات القمة الإفريقية فهذا وغيره يعكس جزءاً من شخصيته النزقة الغريبة الأطوار والتي تُصرُّ على أن تجد لها مكاناً تحت الشمس ليس عن طريق الإنجاز والتنمية والابتكار وإنما بارتكاب أبشع أنواع الكيد والتآمر وإلحاق الأذى بالآخرين وهل أدل على ذلك من خبر الجزيرة نت التي تحدثت عن الذكرى الرابعة عشرة لقتل ١٢٠٠ معتقل ليبي يومي ٢٨ و29/6/1996داخل سجن أبو سليم بضواحي العاصمة طرابلس أغلبهم من التيار الإسلامي؟!.
هذا السفاح يغض الغرب الطرف عن فظائعه وجرائمه لأنه يخدم أهدافه وأجندته أما الآخرون ممّن لا يرضى عنهم الغرب بما فيهم أمريكا وإسرائيل فهؤلاء ينظر إليهم بعين السخط والكراهية.
لا أدري ماذا يقول فرعون ليبيا يوم يقوم الناس لرب العالمين ومن يعوِّض الشعب الليبي عن نصف قرن من القهر والإذلال؟!... أقول نصف قرن لأن الرجل سيحكم حتى آخر لحظة من عمره!!.