الماركسي حامد نصر أبو زيد: ومحاولة جريئة لنسف مصادر التشريع الأربعة

 


 

 

1-3

بمناسبة وفاة الكاتب الماركسي نصر حامد أبو زيد، عاد أنصاره إلى الحديث عن الاضطهاد الذي لاقاه، والمعاناة التي عايشها، والنضال الفكري الذي مارسه في مواجهة أوضاع العالم الإسلامي.

وما قالوه مكرر معاد، لكأنما استرجعوه من ملفات الصحف القديمة، أو استنزلوه من شابكة المعلومات الدولية.

ثم دلف أخيرا إلى مجال القول الكاتب الشيوعي السوداني الدكتور الشفيع خضر سعيد، الذي ليس له إسهام يذكر في مجال الفكر، فكتب مقالا في رثاء هذا (المناضل) الماركسي، الذي تلف الأسبوع الماضي.

ولم يشأ الدكتور الشفيع أن يحدثنا عن الإنجازات البحثية التي أنجزها نصر حامد أبو زيد، وإنما قفز قفزة هائلة ليقرنه بأحد علماء العصور الوسطى الأوروبية، التي لا نظير لها، في جهلها وشناعتها، في تاريخ حضارتنا الإسلامية.

وقال: " كنت أستمع إليه، وفي نفس الوقت أتذكرعالم الفلك والفيلسوف الإيطالي جردانو برونو (1548 – 1600)، ضحية محاكم التفتيش الذي استمرت محاكمته سبع سنوات قضاها في المعتقل تحت التعذيب والإستتابة حتى يتنازل عن أفكاره الرافضة لمركزية الأرض في الكون والداعية لمركزية الشمس ولا محدودية الكون. لكنه ظل صامدا رافضا التراجع عن افكاره، فأمرت الكنيسة بإعدامه وأحرق حيا في ميدان عام في روما... وكان جردانو برونو داعية للتسامح الديني ".

فهل دعا أبو زيد إلى فكرة علمية تقدمية صحيحة مثل هذه، أم جاء بأقوال مبتسرة فطيرة، واستنتاجات مغلوطة خطيرة، لا يمكن أن يقع فيها طالب علم صغير، بلْه أن يكون عالما مشهودا يشهد له أولو الفطنة والذكر؟

هذا ما لم يجب عنه الدكتور الماركسي السوداني، ولا واحد من زملائه الماركسيين، الحداثيين، التنويريين، الذين تكاثروا لتسجيل المآثر المزعومة لرفيقهم المفتئت على الإسلام.

ولم يبينوا لنا على وجه الدقة، ما هو مجال دراسات صاحبهم هذا؟ وما هي أبرز إنجازاته؟ مكتفين فقط بإثارة الضجيج وبهذا التشويش الكثيف، الذي أرادوا به أن يغطوا على أهداف صاحبهم في محاربة الإسلام، ويداروا به عن فضائحه في ارتكاب التزوير في مجالات البحث العلمي.

تخلي الشيوعيين عن الحذر في مواجهة الإسلام:

لقد ادخر الشيوعيون في مصر والعالم العربي الدكتور نصر حامد أبو زيد عنصرا فكريا، يوجهونه لتفكيك الإسلام من داخله، وتحطيم سلطة نصوصه على الشريعة والفقه.

وهذا ما ذكره صراحة أحد كبار منظري الماركسية، ودهاقنتها، ومعلميها بمصر، وهو الأستاذ محمود أمين العالم.

ففي الكتاب الذي أصدره اليساري السابق، والإسلامي الحالي، الدكتور محمد عمارة، في نقد كتابات الدكتور نصر قال إن محمود أمين العالم عرفه بالدكتور نصر قائلا :" إنه أحسن من يحلل النص ".

وأخذ الدكتور عمارة من تلك الجملة التي فاه بها محمود العالم أن المقصود هو النص الأدبي النثري والشعري البشري العادي، غير أنه لما رأى كتاب الدكتور نصر الموسوم بـ (مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن) أدرك أن :" النص الذي تخصص الكادر الماركسي الواعد الدكتور نصر في تحليله هو القرآن الكريم ".

وتساءل الدكتور عمارة، وهو صاحب الخبرة القديمة بأساليب الماركسيين المصريين، الذين كانوا يعملون على تسريب الفكر الماركسي، ليحل محل الفكر الإسلامي، بدون أن يصطدم به، قائلا:" هل تخلى الماركسيون المصريون عن هذا الذكاء التقليدي وعن هذا الحذر التقليدي؟ وهل تجاوزوا الخطوط الحمراء التي رسموها لأنفسهم إزاء الدراسات الدينية، فلم يعودوا يكتفون بنقد الجماعات الإسلامية، بل ولا حتى مناقشة الفكر الإسلامي، وإنما غدوا يخضعون المقدس الإسلامي، وفي مقدمته القرآن الكريم للتحليل الماركسي".

الجذور البعيدة:

وفي الحقيقة فإن ما ذكره الدكتور عمارة عن ظاهرة الدكتور نصر وتوجهه لتفكيك النص الإسلامي وإفساد معناه بالتأويل الشاطح صحيح.

إلا أن البحث في تاريخ الفكر العربي الحديث يدل على أن للظاهرة جذور أبعد.

وقد أشار إليها، وكافحها أشد الكفاح، المجاهد الفكري العظيم الدكتور محمد محمد حسين، في كتابه (حصوننا مهددة من داخلها).

إذ حكى في الفصل الذي أنشأه بعنوان (حول بحث جامعي في قراءات القرآن)، خبر تلك المواجهة التي خاضها مع محاولة يسارية قديمة لاستخدام أساليب المستشرقين لهدم القرآن.

ففي سنة 1965م تقدمت طالبة دراسات عليا يسارية، تدعى تغريد عنبر، لنيل درجة الماجستير، من كلية الآداب، بجامعة الإسكندرية، ببحث عنوانه (دراسة في أصوات المد في التجويد القرآني) جاء في نتائجه أن القرآن الذي نعرف اليوم ليس منزلا كله من عند الله تعالى وإنما نزل بمعناه لا بنصه.

وهذه هي بالطبع النتيجة نفسها التي يسعى حداثيو اليوم وتنويريوه وماركسيوه للوصول إليها، وتثبيتها في العقل العربي الحديث، مستخدمين آليات بحثية نقدية أخرى، تتحدث عن تاريخية النص، و(تاريخانيته)، ونظرية التأويل، وموت المؤلف، وقطع النص عن صاحبه، وبتره عن مصدره.

ومما قالته هذه اليسارية الطليعية، الأستاذة تغريد عنبر، في بحثها إن الرسول محمد كان يغير ويبدل في النص القرآني :" ولما كان الرسول يفعل ذلك في أحاديثه العامة معهم، فمن الأولى أن يفعله في الأمر الأهم الذي أتوه من أجله. من الطبيعي أن يستبدل في النص القرآني لفظة بأخرى يعلم أنها أكثر شيوعا في تلك البيئة. أو يرى أنها تحمل شحنات من المعاني تفهم الفكرة أكثر، أو يغير في نظام الجملة ليجعلها أكثر وضوحا، أو ليكسبها بلاغة أكثر في نظر القوم الذين يقرأ أمامهم ".

وقالت إن النص القرآني لم يكن يتعرض لهذا التغيير والتبديل والتحسين من لدن النبي وحده، وإنما من سائر المسلمين :" ويبدو لي الأمر على النحو التالي: حين نزل القرآن في أول عهده، كان الهدف الأول للمسلمين نشر الدعوة الإسلامية. وطبيعي أن يتركز الاهتمام على الفكرة وأن ينشغل بها الجميع. فكان الرسول يقرأ النص ويغير فيه حسب الظروف، ويسمح لمن يقرأ بقدر من المخالفة. وهذا فيما يتعلق بالأداء ".

ولم يكن عجيبا أن تجري تلك المحاولة الجريئة لنقد النص القرآني بالترافق مع حملة القمع الكبرى التي وجهت ضد الإسلاميين بمصر.

ولكن الذي خلق الحقيقة علقما لم يخل من أهل الحقيقة جيلا.

فقد انبرى بشجاعة عقلية هائلة، مؤرخ الفكر العظيم الدكتور محمد محمد حسين، وتصدى وحده تقريبا، في مناخ الريب ذاك، لتلك المحاولة البحثية الطائشة وأبطلها، واضطر الجامعة لسحب الدرجة العلمية عن صاحبتها.

وكشأن اليساريين المعهود في تعبئة الحملات التضامنية، الإستفزازية، الإرهابية، فقد شنوا حملات هائلة، قادتها زعيمتهم، وزعيمة تحرير المرأة على النمط الغربي المتحلل، الأستاذة أمينة السعيد.

ولم يخل ركب الحملة من بعض شيوخ الدين، الساعين في ركب الناصرية.

ومن عجب أن قد كان من بينهم الدكتور عبد الصبور شاهين الذي كان أول من فجر حملة النقد على الدكتور نصر أبي زيد بجامعة القاهرة.

mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

 

 

آراء