أمراء الوحدة …. بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم
د. حسن بشير
29 July, 2010
29 July, 2010
أمراء الوحدة ( Unity lords)
أصبح لكل شيء أمراءه في بلادنا، منهم الذين يمارسون أمارتهم بالإيجاب و الكثير منهم يمارسها بشكل سلبي. ما ان انقضت الفترة الانتقالية او كادت واجتزنا مرحلة الانتخابات حتي داهم الوقت اهل الحكم ووجدوا أنفسهم مباشرة أمام استحقاق الاستفتاء الخاص بتقرير المصير لجنوب السودان و ابيي، حسب ما جاء في اتفاقيات السلام الشامل وتم تضمينه في الدستور الانتقالي للعام 2005م. عندما لم يتبقي من الفترة الانتقالية الا ستة أشهر ( تبقي منها اليوم خمسة أشهر فقط) ، حتي قرر حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال خوض معركة الوحدة وقام من اجل ذلك بإعلان النفرات و الدعوات و الاستنفار فتكونت اللجان و انبثقت عنها اخري وهكذا اخذ (الانبثاق) يتواصل الي ان أصبح يبدو وكأن لا نهاية له.هنا بالضبط ظهر ما يمكن تسميته بأمراء الوحدة، علي شاكلة أمراء الحرب( Warlords) ، حمل هؤلاء الأمراء الرايات و رفعوا الشعارات و أقاموا المهرجانات و تعالت الأصوات (واوحدتاه) وتبعهم كثيرون من يبحثون صادقين عن الوحدة او لأسباب اخري خاصة بهم. السؤال هنا هو : هل الهدف هو فعلا الوحدة ام مخصصاتها. فهذا المزاد لم ينشط في الشمال فقط وانما جاراه الجنوب في ذلك، الجنوب الذي أصبح يجيد لعبة الأموال ويدير بورصة ألمكاسب بشكل عالي الكفاءة ، وبذلك قرر ان يخرج بأكبر مكاسب ممكنة من نفرات الوحدة فتضخمت الفواتير وأخذت شكل النقد الأجنبي الذي ارتفعت ندرته واشتدت ضائقته هذه الأيام.
ظهر سؤال مثل الأسئلة العديدة التي ظلت تظهر منذ توقيع اتفاقيات نيفاشا وحتي اليوم ولا تجد من يجيب عليها. ما هو السبب الذي يدعو الي صرف كل تلك الأموال الطائلة علي عمل كان من المفترض ان تقوم به مؤسسات خارجة من اتفاقيات السلام الشامل نفسها في الشمال و الجنوب؟ لماذا لم يتم تخصيص المبالغ الخاصة بدعم الوحدة وجعلها جاذبة منذ بداية سريان الاتفاقيات الي حين تسليمها لمؤسسات من المفترض انها انتخبت بشكل حر في ابريل الماضي؟ لماذا يتم الصرف خارج قنوات الموازنة العامة التي أجيزت بقانون اعتمد في المجلس الوطني ووقع عليه السيد رئيس الجمهورية ليصبح ملزم النفاذ؟ كيف يمكن الخروج علي المؤسسات الرسمية التي انبثقت عن نيفاشا و من الذي يراقب الأداء إذا كانت السلطة التشريعية نفسها تطالب بمخصصات (خاصة) تصل الي مليار جنيه (بالعملة القديمة، أي قبل نيفاشا)، كمبلغ ضروري للتبشير بالوحدة؟اين كان هذا التبشير طيلة الأربعة أعوام والنصف الماضية؟ هل ما تبقي من وقت كاف لتغيير رأي قادة الحركة الشعبية المتنفذين الذين حسموا خيارهم لصالح الانفصال؟ لقد قلنا هذا الكلام عن الحركة الشعبية منذ وقت طويل ولم يهتم به احد الي ان دعم عامل الوقت تلك الفرضية بالإثبات القاطع. يكاد لا يوجد شخص مستقل متابع للأحداث محلل لها يري غير ذلك. الان يبدو ان رأي الجهات المؤثرة علي نتيجة الاستفتاء في الجنوب غير قابل للتغيير مهما كانت الذرائع او حتي الأسباب التي تبدو منطقية مثل ترسيم الحدود. يعني ذلك ان الحركة، بالرأي الغالب و المتسيد فيها ستذهب الي الانفصال عبر الاستفتاء، اذا تم في مواعيده وإذا تعزر ذلك لاي سبب فإنها ستعلن الانفصال من طرف واحد كما صرح بذلك العديد من قادتها بشكل مباشر او غير مباشر.
اذا كان ذلك هو الواقع في الجنوب المعني الأول بالانفصال فكيف يمكن إقناع العالم الخارجي اقليميا ودوليا بتأييد شيئا لا يرغب فيه أهل الجنوب أنفسهم؟ من الاجدي في هذه الظروف ان يجلس المؤتمر الوطني مع شريكه في الحكم ويتفقان علي حل موحد اما الوحدة او الانفصال (بإحسان) و ان يتم ذلك دون تبديد الموارد بلا فائدة ترجي لا للوحدة ولا للاقتصاد السوداني الذي يعاني من أزمات خانقة ابرز مظاهرها الغلاء الطاحن الذي يسحق الأغلبية المطلقة من الشعب السوداني مع معدلات الفقر الواسعة في الجنوب و الشمال و التي تصل في عدد من التقديرات الي 95%من مجموع السكان. اذا تجاوزنا الواقع وقلنا ان المقصود بالمخاطبة هو الرأي العام المعني بتحديد المصير فان الخطاب من المفترض ان يوجه الي الناخب الجنوبي بينما الواقع يقول ان الخطاب موجه أساسا نحو المواطن الشمالي الذي لا يد له في التصويت حول تقرير مصير البلاد المزمع إقامته في يناير 2011م. فليتوقف إذن الصرف خارج قنوات الموازنة العامة، فلتتوقف التبرعات من المال العام، فلتتوقف اللجان واللجان المنبثقة عنها ولتمضي مسألة الاستفتاء وفقا للاتفاقيات و الدستور و المؤسسات الشرعية لنيفاشا . من الطبيعي ان يتم دعم المؤسسات الرسمية بنشاط مساعد من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الشعبية، لكن بشرط ان تتم هذه الأنشطة الأخيرة (المدنية و الشعبية) بعيدا عن الربح و التكسب من خزينة الدولة. إذا لم يحدث ذلك فسيمضي الانطباع الحالي بان هذه الحملة ليست من اجل الوحدة وإنما لمطامع شخصية، سيمضي في الترسخ في أذهان الناس وفي النهاية سنخسر الوحدة و الكثير من المال العام الذي من المفترض ان يتجه نحو التنمية ومحاربة الفقر.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]