لوال دينق.. وحرية الوحدويين والانفصاليين.. والانتباهة … بقلم: محمد المكي أحمد
modalmakki@hotmail.com
مرة أخرى تشدني شفافية وعقلانية شخصية سياسية سودانية "جنوبية "تستحق الاشارة الى رؤاها ،وللمرة الثالثة أكتب عن قائد سوداني "جنوبي" ،وهذه المرة أكتب عن أفكار طرحها وزير النفط السوداني الدكتور لوال دينق خلال توقفه في الدوحة في طريقه الى الصين وماليزيا.
في نوفمبر 2009 ،حمل مقالي الأسبوعي في صحيفة "الأحداث" عنوان "شفافية باقان أموم الموجعة النافعة"، وعنوان المقال يعبر عن مضامينه ودلالاته، ويدعو الى محاورة القادة الجنوبيين المثيرين للجدل بدلا من شن الحملات عليهم واتهامهم بالتآمر وغير ذلك من الاتهامات.
في اكتوبر 2009 كتبت مقالي الأسبوعي في صحيفة "الاحداث" تحت عنوان "رسائل بونا ملوال الساخنة للحركة الشعبية والمعارضة" والمقالان عن باقان وبونا موجودان في موقع "سودانايل "( الأعمدة") .
التقيت دكتور لوال دينق في منزل السفير السوداني في قطر السيد ابراهيم فقيري في لقاء ضم بعض السودانيين المقيمين في الدوحة قبل أيام (في يوليو 2010)، وتحدث لوال عن قضية الساعة في السودان (موضوع الوحدة والانفصال ) بشفافية وعقلانية وحكمة أيضا.
نشرت بعض رؤاه في صحيفة" الحياة" اللندنية ، كما أجريت حوارا معه بثته اذاعة مونت كارلو الدولية من العاصمة الفرنسية باريس، فالرجل تحدث عن أهداف زيارته الى الصين وماليزيا، وهو قال إنها رسالة تطمين وتأكيد بشأن استمرار انتاج شركات صينية وماليزية للبترول السوداني بعد اجراء الاستفتاء في جنوب السودان، أي سواء كانت نتيجته الوحدة أو الانفصال.
لوال تحدث بلغة العقل ، وهو يرى أن الاستقرار ضروري للسودان والسودانيين أيا تكن نتيجة الاستفتاء في الجنوب في يناير 2011، و شدد على أهمية التعاون بين الشمال والجنوب ، لافتا الى أن النفط في الجنوب وخط الأنابيب في الشمال وكذلك المصافي والميناء ,واذا لم يحدث تعاون بين الشمال والجنوب – والكلام لدكتور لوال- فلا أحد يستفيد من النفط" .
عن توجهه بشأن قضية الوحدة قال بصريح العبارة "أنا كنت انفصاليا لكن بحكم علاقتي وعلى مدى سنين مع (الراحل) جون قرنق (الزعيم السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان) أقتعني وعدد كبير من المثقفين الجنوبيين (بأهمية )الوحدة لو أقيمت على أسس جديدة وبأن السياسة لا تبنى على الدين بل على المواطنة "، هذا منظور جنوبي حسب قوله.
لم يتردد دكتور لوال في توجيه انتقاد صريح لشريكي الحكم السودان (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان)، مشيرا الى أن "بعض الناس قالوا إن حزبي الحكومة قضوا وقتا طويلا في التعارك ولم يركزوا على مشاكل البلد،" وقال عن التحرك والحوار الدائر حول قضية الساعة "يادوب قاموا من النوم".
لوال يرى أن "بعض الناس فهموا خطأ وظنوا أن الوحدة الجاذبة هي مشاريع ، لا" مشددا على (أن الوحدة) تقوم على أساس "المواطنة" وضرورة واهمية أن يكون المواطن حرا في بلده.
أعجبني في كلام دكتور لوال دينق تشديده على اتاحة الفرصة للوحدويين والانفصاليين في الشمال والجنوب لابداء آرائهم حول قضايا الوحدة أو الانفصال، أعتقد أن هذه الرؤية مهمة، لأن قمع الرأي لا يؤدي الى الوحدة ولا يحقق شروط المواطنة الحقيقية القائمة على معادلات الحقوق والواجبات في مناخ الحرية والعدل.
أعجبني كلام دكتور لوال بشأن انتقاده قرار اغلاق صحيفة "الانتباهة"، وهو أشار في هذا السياق الى وجود انفصاليين في شمال السودان، وقال "رأيي ما كان يقفلوا جريدة الطيب مصطفى ، لابد أن يعبر الناس عن أنفسهم، عندما نحرم الناس من شيء يفتشوا عنه، الانتباهة كان الناس يفتشوا عنها في الجنوب".
وخلص وزير النفط السوداني والقيادي في الحركة الشعبية لتحرير السودان دكتور لوال دينق الى أن "الديمقراطية تتطلب ان تترك من يتكلم ومن لا يحمل شيء او يضرب ، والحركة الشعبية ترى أن التحول الديمقراطي يتطلب اعطاء فرصة للناس لتختلف معك في الرأي، أعتقد أن الناس فشلوا في هذه النقطة".
ولفت الى أنه " يوجد الآن في السودان تحرك ويقال بضرورة أن تعطى فرصة كلام لمنبر الانفصال ولمنبر الوحدة"، وقال إن "الشريكين" توصلا لقناعة بأن "يتركوا الناس يتكلموا".
أتفق مع دكتور لوال دينق بأهمية احترام حق السودانيين جميعا في التعبير عن رؤاهم بشأن الوحدة والانفصال بشفافية ووضوح ،وفي غيرها من قضايا الوطن من دون "رقابة " هي عبارة عن انتهاك لحقوق السودانيين في التعبير.
حرية التعبير السلمي قضية لا تحتمل أنصاف الحلول، ولا يمكن أن يساهم قمع الآراء واغلاق الصحف تحت مبررات غير مقنعة- حتى لمن تنتقدهم "الانتباهة"- بأن تكميم الأفواه يمكن أن يؤدي الى الوحدة، أو حل مشكلات السودان التي يتحمل نظام الحكم في الخرطوم مسؤولياتها بسبب سياساته الفاشلة والظالمة.
الوحدويون في السودان لديهم من الرؤى المنطقية ما يمكنهم من طرح الرأي السديد والحجة حول ضرورات وفوائد أن يبقى الوطن موحدا.
لكن الوطن من دون شك ليس أرضا فقط ، فهو قبل كل شيء انسان على الأرض، واذا لم يشعر الانسان أنه حر في وطنه أو لم يحس ويعيش مواطنا غير مسلوب الارادة أو خاضع للظلم والاستبداد والوصاية، فانه لن يدافع عن الوضع الراهن الذي لا يحترم حقوق المواطنة بل سيتمنى زواله بأية طريقة وتحت كل الظروف.
سئلت قبل أشهر في برنامج "قضايا وآراء" الذي تبثه اسبوعيا اذاعة قطر عن رؤيتي لمسارات الأحداث الحالية في اليمن، فاشرت الى أن الوحدة في اليمن أو السودان ليست أغنية نرددها باستمرار.
وفيما أشرت الى أنني دعمت قضية الوحدة اليمنية في زمن التشطيرالى أن تحققت الوحدة ، وهذا كلام مكتوب وموثق في صحيفة الثورة اليمنية في الفترة من عام 1979 الى عام 1984 و"العرب" القطرية في مرحلتها الأولى (بعد عام 1984)، أكدت في البرنامج الاذاعي في الدوحة أن لا سبيل لحل مشكلات اليمنيين الحالية وتعزيز الوحدة اليمنية الا بالحوار.
أعتقد أيضا أن حل قضايا السودان وبينها موضوع الوحدة أو الانفصال يحتاج الى ادارة حوار شفاف وجاد وهاديء يشارك فيه الوحدويون والانفصاليون في شمال وجنوب السودان ليوضحوا للناس في السودان كله ايجابيات الوحدة والانفصال، وكذلك سلبيات الوحدة والانفصال.
أعود لأحيي دكتور لوال دينق ، فهو وجه وعقل سوداني جدير بالاحترام، و ذكرني حديثه الشفاف بما كتبته عن "شفافية باقان أموم الموجعة النافعة"،" ورسائل بونا ملوال للحركة الشعبية والمعارضة" السودانية.
لا أدرى هل هناك متسع من الوقت للاستفادة من الأفكار والآراء الموجعة ، أتمنى ذلك، فالاستفادة من الدروس والعبر مهم وضروري رغم تبديد الوقت في المشاحنات والتكالب على كراسي الحكم .
الأسوأ في هذا السياق يبدو في مضاعفات وانعكاسات الاصرار على ادارة حملات اعلامية "حكومية" ممجوجة ومكررة وباهتة، وغير قادرة على تشكيل رأي عام يدعم الوحدة بشكل علمي ومنطقي .
حاليا يلحظ المراقب للشأن السوداني بعض أشكال "النفاق" السياسي التي تدعي السعي لدعم وحدة السودان "كلاميا" ، وربما يعود ذلك لأسباب تتعلق بمصالح شخصية للبعض ، أو لأهداف ترمي للتقرب الى القابضين على كراسي الحكم.
أصحاب تلك الادعاءات لا يتحدثون عن شروط الوحدة واستحقاقاتها ومناخاتها المطلوبة ومخاطر استمرار الظلم والديكتاتورية على وحدة السودان، إنهم فقط يرددون ما تريد الحكومة أن تسمعه من أغنيات عن الوحدة سواء كانت جاذبة أو طاردة .
هناك تحركات وحملات سياسية واعلامية في الخرطوم ستؤدي الى نتائج سلبية، وهي تبدو على سبيل المثال في برامج وتعليقات "منتقاة" تفتقرلمناخ الرأي والرأي الآخر الذي ينبغي أن يصنع مستقبل كل أهل الوطن بالتراضي والحرية والعدل والمساواة ، لا بالتعتيم ولا بالقهر ولا بقمع الآراء،
المناخ المطلوب يحتاج الى انهاء سياسة "الوصاية" على شعب السودان، ووضع حد لادعاء يقول للناس من دون حياء إن "أهل السلطة" هم من يقررون ويحددون وحدهم كيفية التعامل مع قضايا الوطن ،وهم أيضا من يحق له التحكم في المساحات المسموح بها للتعبير عن الآراء حول الوحدة والانفصال أولمناقشة قضايا السودان جزئيا لا بشكل شامل وشفاف.
هذا نهج ضار من دون شك ، ويتناقض مع حقوق المواطنة و عملية التداول السلمي للرؤى والأفكار، وستكون نتائجه كارثية -أكثر من اي وقت مضى- على الوطن وأهل الوطن في كل ربوع السودان.
برقية:
"يادوب قاموا من النوم" .. تعبير رائع
عن صحيفة (الأحداث) 8-8-2010