مشروع الجزيرة يصاب بفيروسات العمود الفقري
كل عام وانتم بخير وتنعمون مع أحبائكم بالصحة والعافية.التهنئة والتحية لكل من رابط في بلاده السودان يعمل من اجل خيرها وعزتها وكرامة إنسانها. التهنئة للذين يكتوون بنيران المعاناة في بلادنا وهم صامدون. تهنئة خاصة لكل من فتح كوة لضوء الحرية والعمل من اجل إرساء دعائم سودان حر ديمقراطي وان ينعم بديمقراطية حقيقية مستدامة متفردة تساعد في تقدمه ووحدته وازدهاره، ومنهم العاملين في مجال الصحافة والنشر والصحافة الالكترونية واخص بالتهنئة جميع العاملين في سودانايل وسودانيز اون لاين دوت كوم والتي هي من المنابر الرئيسية التي نخاطب عبرها الناس بحرية تامة.
أطلق استأذنا بروفيسور محمد هاشم عوض في ستينيات القرن الماضي مصطلح (العمود الفقري) ( Backbone ) علي مشروع الجزيرة باعتباره عمودا فقريا للاقتصاد السوداني وقد كان المشروع بالفعل كذلك. مشروع الجزيرة هو اكبر مشروع زراعي في العالم كما يمتاز بطبيعة فريدة كون ان جوهر الإنتاج فيه كان معتمدا علي التعاون التام بين المزارعين والحكومة مما جعل المشروع عبارة عن مشروع عام وأهلي في نفس الوقت. لا يمكن إطلاق صفة ان المشروع خاص نسبة لنظام ملكية الأرض ولا نقول انه حكومي بشكل تام كون ان الحكومة تمتلك أصوله العامة وتشرف عليه وتديره وإنما هو مشروع قائم علي الشراكة في نمط يزاوج بين العمل العام الشبيه بنمط الإنتاج الاشتراكي والملكية الخاصة كما هو متبع في النظام الرأسمالي ، إضافة لنظام الري الحديث بمواصفات ذلك الزمان.
كان المشروع ينتج المحصول النقدي الذي يمثل المكون الرئيسي للصادرات السودانية، القطن وبالتالي فقد كان المصدر الرئيس للنقد الاجنبي الذي ساعد في نهضة السودان حتي نهاية سبعينيات او بداية ثمانينات القرن الماضي عندما بدأ في التدهور في أيام تخبط النظام المايوي عندما كان ذلك النظام يعاني من سكرات الموت. بالرغم من كل ذلك فقد قاوم المشروع بمزارعيه كل الصعوبات واستطاعوا ان يحافظوا علي استمراريته في العطاء رغم الأمراض الكثيرة التي أصبح يعاني منها نتيجة لفيروسات أطلقتها معامل الحكومات السودانية منذ العقدين الاخيرين من القرن الماضي وحتي اليوم، وكأنها تواجه عدو خطير يتطلب القضاء عليه إطلاق جميع أنواع الأسلحة الفتاكة بما فيها الأسلحة البيولوجية.
كل تلك الصعوبات كان من الممكن مقاومتها والتغلب عليها إلا ما أصاب المشروع ابتدأ من قانون 2005م الذي مهد لخصخصة المشروع وتسبب في جملة من المشاكل التي ظلت تتصاعد الي ان وصلت للكارثة المحدقة به المتمثلة في ما رشح من معلومات حول اتفاق غريب وخطير وغير مفهوم مع جهة او جهات مصرية ستحول المزارعين بالمشروع الي أقنان ينتجون لسيدهم ويموتون من الجوع والمرض جراء استغلال غير مسبوق، حتي أن الاستعمار لم يأتي بمثله.
جاء في الصحف الايام الفائتة ان مسئولا بوزارة الزراعة المصرية اكد ان حكومته وقعت اتفاقا للسماح للشركات المصرية بزراعة (محاصيل استراتيجيه!!!) في مساحة تقدر بمليون فدان من مساحة المشروع"الأحداث.7 سبتمبر 2010م". ذكرت صحيفة الأهرام القاهرية ان المصريين يخططون لزراعة القمح والذرة وبنجر السكر بنظام التقاعد لصالح جهات من القطاعين العام والخاص (في مصر) منها الاتحاد العام لمنتجي الدواجن والهيئة العامة للسلع التموينية والشركات القابضة للصناعات الغذائية وعدد من شركات القطاع الخاص. تمت الإشارة الي ان التعاقد يلزم مشروع الجزيرة بان يقوم بعمليات الزراعة بالكامل وتوريد المحاصيل المتعاقد عليها الي الجهات المصرية (بالمواصفات القياسية) والاشتراطات والكميات والأسعار التي تم الاتفاق عليها وان الجهات المصرية ستورد مستلزمات الإنتاج من تقاوي وأسمدة وميكنة في مدة لا تقل عن ( أسبوعين!!!)قبل الموسم الزراعي. سيحصل المشروع علي استحقاقاته المالية بعد التوريد للجهات المتعاقد معها وفي حالة إخلاله بالتزاماته المتعاقد عليها يكون ملزما بسداد قيمة المنتج بكميته المحددة نقدا بسعره العالمي خلال فترة التوريد مضافا إليها 25% من القيمة كتعويض "الأحداث نفس العدد". ما شاء الله هذا سبق للجهة التي قامت بإبرام تلك الاتفاقية من الجانب السوداني، التي اشار مدير مشروع الجزيرة في تصريح للصحيفة نفسها بانه لا يعلم شيء عنها. أي عبقرية تلك التي تبيع اهم مشروعات العالم والعمود الفقري للاقتصاد السوداني والذي ينتظر منه ان يفي بحاجة البلاد الماسة للأمن الغذائي والكثير من المواد الخام اللازمة للصناعات السودانية وان ينتج ما يعوض بشكل كبير جدا فاقد البترول في حالة الانفصال الحتمي الذي يتم التحضير له. كيف يتم اتخاذ القرارات الخطيرة في هذه البلاد؟ ومن هو الشخص الذي يحق له التفريط في اهم المشروعات الإستراتيجية وبيعها بثمن بخس او قل بلا ثمن يعود علي الاقتصاد السوداني؟ وأين الهيئة التشريعية من كل ذلك؟ إنما رشح من معلومات حول هذه الصفقة لا يقل خطورة عن انفصال الجنوب وتتقاصر معه أحداث تاريخية مثل اتفاقيات السد العالي وذهاب حلايب في الاتجاه المعاكس.
كيف يمكن لشخص او فئة محدودة من الناس ان تتخذ مثل هذه القرارات الخطيرة وتمر بقراراتها تلك مرور الكرام دون محاسبة. اذا حدث ما تم الحديث عنه بالفعل فان ذلك يعتبر اكبر دليل علي خوار الدولة السودانية ودليل دامغ علي فشلها وينذر بتفكك تام للبلاد في زمن قريب، نتمني ان لا يأتي اذا كان (التمني يفيد). من الذي حدد قياسية المنتجات الزراعية وكيفية الوفاء بها مع المخاطر الكبيرة التي تصاحب الانتاج الزراعي؟ ومتي توفرت البنيات التحتية لمثل ذلك الإنتاج؟ الا يصلح ما تم ان يكون مشروع لاحتلال المشروع والسيطرة عليه وطرد أهله او حبسهم في مخيمات للاجئين، يتسولون الغذاء والإعانات؟
هذه رواية خيالية غير قابلة للتصديق والغريب في الأمر ان شخصا حصيف متوازن مثل ابن ود العباس د. بابكر محمد توم يري ان ذلك يمكن ان يكون شراكة ذكية في تصريح للأحداث في نفس سياق الخبر أعلاه. لا أبدا يا ابن المزارعين في منطقة تعاني من مشكلات زراعية كبري، ان تلك ليس شراكة ذكية وأنها ليست شراكة أبدا وإنما نظام قنانة لإقطاع جديد، حتي لا يمكن وصفه بالشراكة الغبية لان هذا الوصف كثير عليه. يتم ذلك والموازنة العامة للعام القادم ستتعرض في اغلب الاحتمالات لنقص خطير في الموارد. وما يتم اليوم من حديث حول مؤشرات موازنة 2011م لا يعدو ان يكون حديث متفائل جاءت به وزارة المالية بذكاء لطمأنة الاقتصاد وتهدئته في الوقت الذي تحتفظ بخياراتها البديلة للأزمة القادمة، جاهزة للتنفيذ. لا يمكن ان يتم التعويض بمثل هذا التفريط في مصلحة إستراتيجية علي اعلي درجة من الأهمية. حتي اذا اقتنع شخص ما بان الخصخصة هي الحل للمشاكل التي يعاني منها المشروع، فان ما تم لا يعتبر خصخصة وإنما هو شيء لا بد من البحث طويلا حتي نجد له مصطلحا مناسبا. لابد من مناهضة هذا الاتفاق بمختلف السبل المشروعة لان في حالة إكماله سيكون وبالا علي الاقتصاد السوداني وعلي امن واستقرار المشروع الذي يحتوي في داخله علي أكثر من ثلاثة ملايين نسمة.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]