تأملات في الهوية -8-

 


 

 


  ahmed.elyas@gmail.com
 
عرب أم أفارقة
زاد انتشار التراث المحلي الذي يدعي الانتساب إلى العرب الفجوة بين معنى الهوية وواقع حال المواطن . وازداد توسع الفجوة بانضمام السودان إلى جامعة الدول العربية فعززت الشعور بالانتماء للعرب. وأصبح أغلب الشعب السوداني يبحث عن هويته وأصوله خارج حدود إقامته. عمق كل ذلك ضعف الانتماء والاحساس  بالهوية الداخلية، وأدى البحث عن الانتماء إلى بروز التساؤل عند كثير من المواطنين – ما عدى القليل من المناطق – هل نحن عرب أم أفارقة؟  وارتبط الانتماء في الأذهان بين هذين الخيارين عربي وافريقي.

وزاد المشكلة تعقيداًعدم الوعي الكامل بمعنى أفارقة. فإن أغلب الناس يعتقدون أن الافريقي هو ذو اللون الأسود، ولما كان اللون الأسود يرتبط في الأذهان بالرق – كما وضحنا في مقالنا السابق – فقد أصبحت صفة الافريقي غير جاذبة أو قل غير مستحبة والانتماء إليها غير مرغوب فيه. وبحث أغلب المواطنين عن االانتماء بعيداً عنها، وتلقائياً ذهبوا للخيار الثاني وهو الانتماء للعرب.

فإذا كان الانتماء للعرب يعني الانتماء للجنس العربي، فإن الانتماء للافريقي لا يعني الانتماء لجنس محدد لأن الافريقية ليست جنساً ينتمى إليه. الافريقي صفة لسكان القارة الافريقية مثل الآسيوى صفة لسكان قارة آسيا. ففي آسيا الكثير من الأجناس مثل العرب والهنود والصينيين والأتراك وغيرهم، وفيها الأوان الأصفر والأبيض والأسمر وكلهم آسيويون وكل منهم ينتمي إلى جنسه الخاص، ولا يوجد جنس آسيوي واحد.

وكذلك الافريقي صفة لسكان القارة الذين يتكونون من أكثر من جنس ولون واحد. فيوجد في افريقيا الجنس الزنجي والجنس الذي اصطلح على تعريفه بالجنس الحامي وخليط من هذين الجنسين وغيرهم. وتتفاوت ألوان الأجناس في افريقيا فيوجد بينها اللون الأبيض واللون الأسمر واللون الأسود.

فإذا ألقينا نظرة سريعة وعامة على سكان افريقيا وجدنا الجنس الزنجي الذي يتميز بقصر القامة وطول الأطراف والأنف الأفطس والشفاه الممتلئة إلى جانب الشعر الصوفي واللون الأسود. وأعداد الزنوج في القارة الافريقية قليلون جدا بالمقارنة إلى الأجناس الأخرى ومحصورون في أماكن قليلة في الغابات الاستوائية.

والغالبية العظمى من سكان افريقيا تتكون ممن يعرفون بالحاميين وخليط من الحاميين والزنوج، وهم الذين يمثلون شعوب مناطق شمال افريقيا والصحراء الكبرى وشعوب ما بين الصحراء والغابات الاستوائية وجنوبيها. وهم متداخلون في كل هذه المناطق مثل السنغاليين والماليين والنيجريين والشلك والنوير والدينكا والاثيوبيين والماساي الأمازيغ في شمال افريقيا و الطوارق والزغاوة والمحس والبجة والصوماليين والارتريين ولون كل هؤلاء يتدرج بين الأسود والأسمر والأبيض.

فالسود والبيض والسمر في افريقيا كلهم أفارقة ينتمون إلى القارة ولهم أجناسهم الخاصة بهم.  وسكان السودان أفارقة بوصفهم سكان القارة الافريقية مثل المغارية والمصريين واليوغنديين والكينيين والصوماليين، وينتمون إلى الجنس الأسمر الذي سكن منطقة وادي النيل منذ آلاف السنين. وحفظت لنا الآثار المصرية والسودانية القديمة سماته. فالمقابلة بين عرب وأفارقة مقارنة خاطئة، لا ينبغي أن نقول هل نحن عرب أم أفارقة؟ ينبغي أن نحذف كلمة أفارقة ونضع في مكانها اسم جنس مثل حامي أو زنجي أو خليط من هذا وذاك.

ويقودنا ذلك إلي البحث عن الجنس الذي ننتمي إليه في افريقيا. ومن الجانب الآخر فإن "سوداني" ليست جنساً وإنما صفة لأجناس كثيرة يجمعها اللون الأسود كما وضحنا في مقالٍ سابق، نحن في الواقع لا ندري بالتحديد ما ننتمي إليه! ما هي هويتنا وإلى أي جنس ننتمي؟
ونواصل
 

 

آراء