الجنوب .. قد لايكون آخر إستفتاء تقرير مصير بالسودان … بقلم: أسماء الحسينى
Alshareefaasmaa224@hotmail.com
مع العد التنازلى لإستفتاء تقرير المصير بدأ كل طرف من طرفى إتفاقية السلام فى السودان أوبمعنى آخر من طرفى الصراع فى السودان المؤتمر الوطنى الحاكم فى الشمال والحركة الشعبية الحاكمة فى الجنوب بالضغط على الطرف الآخر لتقديم التنازلات المطلوبة فى اللحظات الأخيرة التى توشك على النفاذ بدون التوصل لحل بشأن القضايا العالقة العديدة ،ويبدو أنه سيكون هناك تأجيلا لحل بعض هذه القضايا التى لن يسمح ضيق الوقت بحلها إلى مابعد موعد الإستفتاء ،الذى تراه حكومة الجنوب ومن خلفها المجتمع الدولى موعدا مقدسا لاينبغى تأجيله بأى حال من الأحوال .
ومابين المطالبة بتأجيل الإستفتاء حتى حل القضايا العالقة ومابين التوجه لتأجيل حل بعض القضايا العسير حلها الآن مثل أبيى وترسيم الحدود وغيرها لما بعد الإستفتاء يثور الجدل فيما إذا كان الإستفتاء غاية فى حد ذاته أم وسيلة لإقرار السلام وتسوية المشاكل إلى غير رجعة .
وفى غمار ذلك يسعى كل طرف لتعزيز مواقفه والضغط على الطرف الآخر ،وبينما كانت الحركة الشعبية تتهم المؤتمر الوطنى بدعم وتسليح وإيواء معارضيها من السياسيين والميليشيات المسلحة فى الجنوب بهدف إثارة القلاقل والحروب وزعزعة إستقرار الجنوب ومحاولة شق الصف الجنوبى ،وقدعمدت الحركة من أجل ذلك إلى محاولة رأب الصدع والخلافات الجنوبية عبر مؤتمر الحوار الجنوبى الذى عقد فى جوبا قبل أسابيع بدعوة من رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت ،والذى تم فيه توحيد الرأى الجنوبى حول ضرورة عقد الإستفتاء فى موعده ،كما تم فيه الإتفاق على إجراءات سيتم إتخاذها فى الجنوب بعد الإستفتاء ،من بينها تشكيل حكومة تحالف وطنى عريضة تمثل فيها جميع الأحزاب ،تمهيدا لإنتخابات بعد عامين .
ومثلها يتهم المؤتمر الوطنى الحركة الشعبية بإستخدام حركات دارفور المسلحة كورقة ضغط عليه ،وقد تصاعدت هذه الإتهامات من المؤتمر الوطنى مؤخرا ،فى ظل حراك دارفورى مكثف نحو جنوب السودان ،فى أجواء يسودها ركود فى العملية السلمية التى تتم بشأن دارفور فى الدوحة برعاية دولية أفريقية مشتركة ،وذلك بعد إنسحاب حركة العدل والمساواة كبرى حركات التمرد بالإقليم من التفاوض ،وإستمراررفض عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان المشاركة فيها ،بينما ظلت الخرطوم تفاوض فى الدوحة حركة التحرير والعدالة التى لم تتوصل معها إلى إتفاق حتى الآن ،ورغم محاولات الوسطاء إعادة حركة العدل والمساواة إلى التفاوض مرة أخرى إلا أن الحركة طرحت شروطا لإصلاح المفاوضات من بينها عدم تعدد مسارات التفاوض،وإشراك مصر وليبيا وأريتريا ،وعدم التقيد بالسقف الزمنى الذى تريده الحكومة وعدم تحيز الوساطة لها، وحرية الحركة لقياداتها ،والجدير بالذكر أن زعيمها خليل إبراهيم يقيم فى ليبيا الآن بعد أن مزقت تشاد التى كانت تتقارب مع السودان جواز سفره وأوراقه الثبوتية فى مطار إنجمينا .وقد ترفض الخرطوم هذه الشروط ،وهى من تريد حلا سريعا لهذه القضية قبل التاسع من يناير المقبل موعد إستفتاء تقرير المصير .
وقد أصبحت جوبا الأيام الماضية قبلة للحركات المتمردة بدارفور على إختلاف فصائلها وتوجهاتها وقياداتها ،وتحدثت الأنباء عن لقاءات وإجتماعات بين مينى أركوميناوى وعبد الواحد محمد نور وأبو القاسم إمام ،وميناوى هو قائد حركة تحرير السودان الذى وقع إتفاق أبوجا للسلام مع الخرطوم عام 2006،وأصبح بموجبه رئيسا للسلطة الإنتقالية بدارفور وكبير مساعدى الرئيس السودانى ،وبعد الإنتخابات الأخيرة لم يعد مساعدا للرئيس ،وكان كثير الشكوى من أن الخرطوم لم تنفذ من الإتفاقية التى وقعتها معه سوى 15 % منها فقط ،وقد ذهب من قبل غاضبا إلى دارفور ،وكان يعود إلى الخرطوم بعد أن يذهب إليه نائب الرئيس على عثمان طه ويقنعه بالعودة ،أما فى هذه المرة فقد رفض لقاء طه عندما ذهب إلى جوبا وألمح إلى إمكانية العودة إلى التمرد ثانية ،أما عبد الواحد نور قائد حركة تحرير السودان الثانية الذى إفترق عن رفيقه ميناوى بعد توقيع الأخير لإتفاق أبوجا ،وظل عبد الواحد متشبثا بمواقفه الرافضة للمشاركة فى التسويات السلمية الجارية ، أما أبو القاسم إمام فهو أحد قادة حركة التحرير ،وقد توصل أيضا لإتفاق مع الحكومة وأصبح بموجبه واليا لولاية غرب دارفور ،قبل أن يبعد عن منصبه فى تغييرات مابعد الإنتخابات الأخيرة .
وقد إتهمت الخرطوم الحركة الشعبية وحكومة الجنوب ايضا بتقديم الدعم لقوات حركة العدل والمساواة عبر حدود الجنوب مع ولاية جنوب دارفور ،وربما رأت أن هذا الدعم هو الذى مكن الحركة من التقدم بعملياتها فى الأسابيع الأخيرة إلى مناطق فى كردفان وجنوب دارفور ،وتحدثت الخرطوم أيضا عن دعم وتنسيق مع أوغندا جارتها اللدود فى هذا الشأن ،بينما تتهم الحركات المتمردة بدارفور الحكومة من أنها هى التى تصعد القتال فى دارفور ،وأنها تريد عبر خطتها التى أعلنت عنها فى دارفورمن إفراغ معسكرات النازحين وإنهاء القضية بأى شكل بإتفاق يتم على عجل مع حركة التحرير والعدالة قبل موعد إستفتاء الجنوب .
الخطير فى أمر أوراق الضغط المتبادلة التى تلوح بها الآن كل من الخرطوم وجوبا أنها تتجاوز المرحلة الراهنة ،وتجعل مستقبل الوضع فى السودان مفتوحا على إحتمالات مدمرة ،وهو مايعنى أن الوضع فى السودان لن يستقر بمجرد حتى إنفصال الجنوب ،وإنما يعنى أنه ستكون هناك بؤر توتر مستمرة بين الشمال والجنوب ،قد تشمل طول خط الحدود الذى يقارب ألفى كيلومتر،وقد يعنى ماهو أكبر وأخطر من ذلك ،وهو أن تقرير المصير فى جنوب السودان لن يكون آخر تقرير مصير فى السودان أو نهاية للتقسيم والتجزئة ،بل بدايته ففضلا عن أبيى والحدود المفتوحة ،هناك دارفور التى يتصاعد فيها الآن الحديث عن العمل المسلح لإسقاط النظام بديلا للحل السلمى ،كما يتصاعد تدريجيا الحديث عن أن تقرير المصير قد يكون مطلبا لأبنائها إن لم يتم الإسراع حل سلمى شامل وعادل،وليس دارفور وحدها بل هناك أيضا منطقتى جبال النوبة والنيل الأزرق اللتين من المقرر أن يتم بها مايعرف بإسم المشورة الشعبية ،التى يختلف حتى الآن فى تعريفها كل من الخرطوم وجوبا ،وتقول بعض القيادات الجنوبية أنهما سيلحقان إن عاجلا أم آجلا الجنوب ،بإعتبارهما جزء من نضاله على حد تعبيرهم ،وقد أعلنت تنظيمات لأبناء جبال النوبة أنهم بصدد تنظيم مسيرة كبرى فى الولايات المتحدة فى الشهر الحالى للمطالبة بتقرير المصير .
والأخطر من ذلك هو هذه الإتهامات التى توجهها الحركة الشعبية للجيش الحكومى بمهاجمة مناطق تابعة لهاوهو الأمر الذى تنفيه الخرطوم و يخشى من عواقب تصاعده ،وأيضا الخلاف المتصاعد حول عملية التسجيل للإستفتاء وتلويح المؤتمر الوطنى بعدم قبول النتائج المترتبة عليه .