طيرت وكالات الإنباء(رويتر كمثال) وصحف الخرطوم والمواقع الالكترونية الحديث الذي أدلي به د. نافع علي نافع نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني ومساعد رئيس الجمهورية حول اعتبار (قواعد) حزبه في الشمال لانفصال الجنوب (فتحا كبيرا). هذا الكلام كما يقول أهلنا باللغة الدارجة في شمال السودان (كلام بطال خلاص). يعني ذلك انه قد قطع الأمل نهائيا في أي تأويل حول رؤية القاعدة التي يستند عليها الحزب الحاكم في بقائه بالسلطة.هذا التصريح يفسر الكثير ويعطي معاني كثيرة مثل ان تلك القواعد لا تؤمن بوحدة السودان وبتنوعه ولا تقبل الأخر مهما كان معني عدم القبول او خطورته حتي ولو ادي ذلك الي تفكك السودان وفنائه ، كما يعني استعداد تلك القواعد لمزيد من الفتوحات، إذا تطلب أمر البقاء في السلطة لذلك ومنها فتوحات في دارفور والشرق، ناهيك عن جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق التي تحركت قوافلها مطالبة بتقرير المصير ، كما حدث علي سبيل المثال من أبناء جبال النوبة في واشنطن ولندن وايرلندا، خلال مظاهراتهم المطالبة بتقرير المصير. من ضمن الصحف التي نقلت حديث د. نافع، صحيفة "الانتباهة" المعروفة التي لا يمكن اتهامها بالكيد للمؤتمر الوطني، جاء" بالانتباهة" في حديث منسوب لدكتور نافع خلال مخاطبته لقطاع الزراعة والرعاة بالحزب الحاكم ما يلي: (..وأكد نافع الذي خاطب أمس قطاع الزراعة والرعاة بالمؤتمر الوطني أن الانفصال راجح جداًِ ودعا ألا نخدع أنفسنا ولا نعيش في الأحلام وقال في حال الانفصال فإن قاعدتنا الأساسية في الشمال قد ترى في ذلك فتحاً كبيراً وتراه إنجازاً وإن كان ليس هو الذي نريده..)، الجمعة، 17 كانون الأول، ديسمبر، 2010م (متوفر علي موقع الصحيفة بالانترنت).
السؤال هو كيف يعتبر شيئا ما (فتحا كبيرا) وأنت لا تريده؟ وباعتبار ان هذا الفتح يظهر ما كان يعتقد البعض انه مخفيا فيمكن الاستنتاج ان هذ (الفتح الكبير) كان منتظرا وتم التخطيط له. يعني ذلك مما يعنيه ان خطاب الحزب الحاكم مع قواعده ومع الشعب السوداني المؤيد والمعارض والمحايد لم يكن صحيحا عندما كان ينادي بالوحدة ويعتبر الذين يتحدثون عن الانفصال (مغرضين) و (مرجفين في المدينة) و(مثبطين للهمم الوطنية). كما يعني ذلك ان الخطاب الحكومي الرسمي مع شركاء الحكم في الحركة والموالاة لم يكن صادقا. كذلك الحال في التعاطي مع الوسط الإقليمي والمجتمع الدولي. إذا كانت تلك القواعد تعتبر الانفصال فتحا فلماذا كانت ولا زالت تنادي وتهدر الأموال في الترويج لوحدة هي عبارة عن ( خداع للنفس وعيش في الأحلام؟). هناك كثير من الكلام والأفعال التي قام بها قادة المؤتمر الوطني، علي ارفع المستويات، كانت بعيدة جدا من اعتبار انفصال الجنوب (فتحا كبيرا)، مما يعني ان تلك الأفعال والأقوال لم تكن صادقة وان ما يحدث في الظاهر لم يكن هو المقصود في الواقع. نقول ذلك استنادا علي قول شخص ظل ممسكا بأهم أوراق (الإنقاذ) من قبل قيامها والي يومنا هذا.
اما فيما يتعلق بعدم وجود أي تأثير مهم للانفصال علي الاقتصاد او كما قال د. نافع الذي استبعد ( ..اي تأثير مقعد لاقتصاد السودان في حال الانفصال) فيبدو ان المقصود بتلك "البشارة" هم (قواعد المؤتمر الوطني في الشمال)، لأنه من الممكن فعلا ان لا تتأثر تلك القواعد بشكل (مقعد) او (غير مقعد) بانفصال الجنوب وستعوض ذلك من ( سلة معادن العالم) إضافة لتكثيف الجبايات والرسوم الي ان تأتي تلك السلة بثمارها. نرجو ان لا تتحول تلك السلة الي اخري مشابهة لسلة الغذاء التي ظلت خاوية لعقود ولا زالت وان الجوع هو الطاغي في سودان اليوم وليس وفرة القوت. اما بقية الشعب فهي تعاني مر المعاناة من شظف العيش وغلاء المعيشة قبل ان يحدث الانفصال ولا ترجو من حدوثه خيرا.
هناك أسئلة مضادة منها: ماذا اذا حدثت المعجزة واختار الجنوب الوحدة؟ ماذا يحدث إذا عمل شعب السودان في الشمال والجنوب من اجل الوحدة حتي بعد انفصال الجنوب الذي توقعناه وأفصحنا عن ذلك منذ زمن بعيد؟ ما هو مصير قواعد المؤتمر الوطني من الوحدويين ومن غير العرب وغير المسلمين وغير الشماليين الذين لا يرون في انفصال الجنوب (فتحا كبيرا) او صغيرا؟ ما هو مصير الأحزاب المتوالية التي تقول انها تؤمن بالوحدة؟ ما هو مصير عضوية المؤتمر الوطني من الجنوبيين التي ستحصل علي جنسية السودان المتبقي بعد الانفصال والتي من المفترض أنها تؤمن بالسودان (الوطن الواحد بما قد كان وما سيكون)؟ هناك كثير من الأسئلة تبحث عن إجابة مع هذا (الفتح الكبير) الذي سيتحقق فعلا جارا ورائه مزيدا من (الفتوحات). من الذي يلوم قواعد الحركة الشعبية الكبيرة في الجنوب اذا رأت بدورها في (الاستقلال)، كما يقولون (فتحا كبيرا)؟.
hassanbashier141@hotmail.com