تسونامي وحفل التعارف

 


 

 


 قبل اشتعال ثورة 25 يناير في أرض الكنانة استبعد وزير الخارجية أحمد أبو الغيط تكرار سيناريو تونس بمصر، واعتبر في تصريحات نشرتها صحيفة "الأسبوع"، وقبل أسبوع من تحرك الشباب، وتفجر براكين  الغضب في الشوارع، وفي كل المدن المصرية أن أي حديث عن ثورة "كلام فارغ"، لكن الشعب المصري، وهو شعب عريق عمره 7 ألف عام هزم تكنهات أبو الغيط، ليصدق الشعب ، وتكذب نبوة الوزير.
وكثيرون حالهم حال أبو الغيط، يظنون أنهم بمنأى عن تسونامي التغيير الذي ضرب اعصاره الأولي بلاد تونس، حين أحيي شعبه، شاعرهم الكبير أبو القاسم الشابي" واذا الشعب يوماً أراد الحياة"، وبالفعل استجاب القدر لعشاق الحرية الحمراء عبر ثورة الياسمين. ثم كان الزلزال المصري ، فقد كان يوم الجمعة بمثابة عودة الروح الغائبة، ودخول الربيع قبل موعده لتكتسي بالسندس الشجر، وذلك لرحيل "ديكتاتور آخر في العالم العربي، على ذات الطريقة، وبذات السيناريو، وعبر ذات "التسونامي" الشعبي، الذي استأنف مهمة تغييره الجارفة ، بقيام ثورة الياسمين في تونس.
وبعد أيام، قلائل لم يع مبارك الدرس، وسار في ذات الدرب، وألقى ذات الخطب الثلاث للمفارقة، لكنها لم تعصمه من غضب شعب مصر العظيم، فقد ناور الرجل، لكنه فشل، وحاول الانحناء للعواصف لكنها كانت أقوى، فهي " تسونامي" قوةً وشراسةً،  وخاب ظن مبارك وهو "الطيار " المتمرس  في عملية تفادي المطبات الهوائية، مثلما فعل في السابق مرات كثيرات، وحقق انتصاراً كبيرأ للشعب المصري خلال حرب أكتوبر، وهو تاريخ مشرف غير ذلك، لكن حب الزعامة، وحلاوة السلطة حولت البطل إلى خائن، والشجاع إلى جبان، والوفي إلى خائن في نظر ذات الشعب.
  وبالطبع فإن بقية الانظمة السياسية في المنطقة لن تكون بمنأى عن رياح التغيير، وفي هذا السياق يرى محللون أن دولاً عربية كثيرة مرشحة لما أصبح يعرف بالسيناريو التونسي، إذ أنها "تعاني المشكلات ذاتها من البطالة، وارتفاع في الأسعار والخدمات، وكلفة المعيشة، إلى جانب ضيق المساحة الممنوحة للحريات المدنية وحقوق الإنسان".
وهاهم ثوار الجزائر يسيرون في ذات الدرب، ووفقاً لتقرير التنمية البشرية لعام 2011، والذي يصدر عن الأمم المتحدة، تتذيل دول مثل مصر، والسودان، واليمن، والأردن، وليبيا، وسوريا، وغيرها، قوائم الترتيب من حيث نسب البطالة أو الإنفاق على التعليم، أو حتى حرية الصحافة وحقوق الإنسان، وغيرها من الحقوق المدنية.

وفي كل المنطقة نسمع "الهمس جهراً" عن صنوف الفساد، وشركات المتنفذين، وحكايات مثل حكايات "ألف ليلة وليلة" و في الخرطوم التي لا تعرف الأسرار ؛ يتداول الناس حكايات "الثراء العريض"، و"الحياة المخملية" لمن قفزوا بالزانة فجأة في سلم "البيزنيس" من تلك "القطط السمان"، فكان أن خلقت سياسات "السوق الحر والخصخصة" طبقات ثرية على حساب ملايين الفقراء والمهمشين،  وصناع القرار لا يفعلون شيئاً سوى التقليل من "التسونامي" مثلما فعل أبو الغيط، بل أن تقارير المراجع العام السنوية ظلت تبعث قليلاً من " تلك الرائحة" ولا تجتهد السلطات في مطاردة المتلاعبين بأموال الشعب، وآكلي مال السحت، كما تفعل في حملاتها الشرسة ضد  "ستات الشاي"، أو " ازالة السكن العشوائي"، وبعد ذلك يجزمون بأننا لن نتراجع ولو "شبراً" من "الشريعة ولو أدى الأمر لتقسيم البلاد كلها".
ومع تفاقم الفساد، وانعدام المساواة، يظل غياب الحريات عاملاً حاسماً في الانفجار، والعمل من أجل التغيير، ومثلما يرى المراقبون فإن  "الانفجار الاجتماعي متوقع ، وسيكون أعنف بكل تأكيد،  لا سيما في تلك الدول التي  تعيش حالةً  أسوأ من تونس بكثير، حيث تصادر  الحريات، ولا يزال عشرات من الصحافيين يتبادلون الدخول  إلى المعتقلات، ولا تزال الصحف تصادر من المطابع، والمسيرات تضرب بأقسى ما يكون، في رسالة واضحة وقوية بأن "الحرية " منطقة محظورة، وممنوع الاقتراب منها؛ في ظل أنظمة الاستبداد، ولو تدثرت بثياب " الحاكمية لله"، وهو واقع لا يستطيع من يريد ذر الرماد على العيون حجبه.
 لكن الدرس الذي علمه السودانيون قبل سنوات، ثم التوانسة والمصريون للأجيال الجديدة - مع أنه قديم، وقالت به نظرية قبل قرون؛ ونختلف معها في معظم ما قامت عليه، وما خرجت به - و هو أن الشروط الموضوعية   للتغيير  حينما تتقاطع مع الشروط الذاتية، فإن "تسونامي " قادر على ضرب كل الحصون، ما لم يدرك أهل الشأن ذلك، فيبدأون من تلقاء أنفسهم عمليات الاصلاح السياسي، والتغيير باطلاق الحريات، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساوة، وحل الضائقة الاقتصادية.
 وما يجب أن يعلمه هؤلاء "الزعماء" أن أزمنة مسرح "الون مان شو" إلى زوال، وأن المساحيق "الديمقراطية"، التي يضعها البعض فوق جلود حكوماتهم من أجل " التمويه"، لن تصمد أمام السيول العنيفة، والتي تغسل كل "الأدران" وستزيل " كل المساحيق"،  وأن الانتخابات التي لا " ترقي للمعايير الدولية" صارت مسرحية سيئة السنياريو والتمثيل والاخراج, وما نعلمه أنه في سياق هذا "التسونامي العنيف" أقلعت تونسية بن علي، ومصرية مبارك، وربما يأتي الدور على الجزائر، أو غيرها، لكن اذا ما استمر ذات العنفوان فأن القمة العربية القادمة، أو التي تليها ؛ قد تكون "حفلاً للتعارف"  للقادمين الجدد، وما أكثرهم!.

Faiz Alsilaik [faizalsilaik@yahoo.com]

 

آراء