سودان اير واللامعقول 1-2

 


 

 


عجائب سودان اير لا تنقضي في زمن عجائب حكم الجبهة التعيس ولكن لم أتخيل أن السوء سيصل الي هذا الدرك الأسفل الذي يسافر فيه الركاب (مشمعين) , أي وقوفاً في ممر الطائرة من القاهرة الي الخرطوم في طائرة وليس في دفًار ! وللعلم فإن سودان اير عضو في منظمة أياتا للطيران فإذا علمت بهذا السلوك فربما تفرض عليها عقوبات تتفاوت حتي الي فقدانهم عضويتهم , ومن ناحية أخري نخاطب فيه كابتن الطائرة فكيف سمح بأن تحصل هذه المهزلة ؟ ويحضرني هنا ما خبرته عن ركوبي بصات الكلاكلة والحاج يوسف , فإنها باصات مريحة ولا يسمح فيها بالركوب وقوفاً , وعندما تمتلئ المقاعد يقفل السائق باب البص ويتحرك فوراً ولا يقف الا عند نهاية الرحلة بالخرطوم , والمضايقات الوحيدة التي يتعرض لها الراكب هي الشحاذين الذين يعتلون البص للشحذة عند وقوفه بالمحطة حتي يمتلئ بالركاب .
فأين سلوك سائق بص الكلالكة من سلوك كابتن طائرة سودان أير ؟!
وهنا أقف قليلاً لأروي حادثة أليمة حدثت معي شخصياً مع الخطوط الجوية السودانية وترجع الي الثمانينات من القرن الماضي عندما كنت في نجران بالسعودية , وحجزت كالعادة قبل عدة أشهر للحضور الي السودان في الاجازة السنوية , ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان , فقد قررت حكومة السودان السنية بأن يتولي الناقل الوطني سودان أير العمل بمفردها في خط السعودية , ( ودَقَ المسئول الحكومي صدره) وقال إنهم الأولي بتشغيل هذا الخط المربح ( وجحا أولي بلحم تورو ) , وذلك في الوقت الذي كان لديهم بضعة طائرات بينهما إثنتان قديمتان فقط تعملان في الخطوط الخارجية , وللعلم فإن الخطوط السعودية كانت تسّير أربع رحلات في اليوم للخرطوم , ونتيجة لذلك أوقفت السعودية رحلاتها للسودان وبالطبع الغيت جميع الحجوزات وذهبت الي مكتب السعودية بنجران ليبروا لنا مخرجاً , فقال لي المسئول إن هذه غلطة حكومتكم وكل ما نستطيع عمله هو أن أحجز لكم بالسودانية , ونحن جلوس إتصل بمدير مكتب سودان أير بجدة فأخبره بأن طلبات الحجز كثيرة وانه سيحجز لنا مبدأياً علي ان نستخرج التذاكر قبل يومين واذا فشلنا في ذلك فإن الحجز يعتبر ملغياً , وخرجت من عنده واتصلت تلفونياً بصديقي في جدة وطلبت منه أن يستخرج لي التذاكر وسارسل له النقود بالفاكس وفي ميعاد السفر وعند دخولنا الطائرة ,اذكر أنها كانت بوينج 707 فوجئنا بأن نصف مقاعدها خالية وواحد من كل ثلاثة مقاعد مكسور , وأرضية الطائرة يفرشها موكيت مهترئ يبرز من تحته خيش , وأقلعت الطائرة في موعدها (من سكات) فلم يخاطبنا الكابتن كالعادة ولكن كبير المضيفات رحب بنا في المكرفون الداخلي ثم قرأ دعاء السفر , ثم جاءت المضيفة عابسة الوجه متجهمة وعيناها حمراوان ومنتفختان كمن ظل مستقيظاً طول الليل أو متعاطياً شيئاً , وسألتنا : أجيب ليكم فطور فأجبتها بأننا وزوجتي صائمين وكنا في رمضان , وطلبت منها أن تحضر إفطاراً لأبنتي ذات الأربع سنوات , وعادت تحمل صينية فوقها كوب به شراب باهت أحمر اللون وسندوتش فول – أي والله سندوتش فول في نصف رغيف رهيف !
ووصلنا بالسلامة وكان أجمل ما في الرحلة هو دعاء السفر ومحاولات رئيس المضيفات أن يكون باشاً لطيفاً .
أما رحلة العودة فكانت قطعة من المعاناة والعذاب قبل أن نري الطائرة فقد كانت في مكان ما ولم تصل بعد , وهذه الطائرة المنهكة كان علينا أن نمتطيها , ومرت الساعات ونحن في الانتظار وأخيراً أخبرونا بأن نأتي في صباح الغد وستقلع الطائرة في التاسعة صباحاً بأذن الله , ورجعنا الي منزلنا في أمدرمان وطبعاً أجرة تاكسي رايح جاي (وتلتلة شيل وخت الشنط) , وكظمنا الغيظ , وفي الصباح الباكر ذهبنا الي المطار ولم نجد أحد يدلنا علي موعد السفرية ومكثنا الي قريب موعد الافطار وطائرتهم (لا حس ولا خبر عنها) , وكان معنا مندوب من الشركة وأخبرنا بأن السفرية قد تأجلت الي صباح اليوم التالي , ولك أن تتصور مقدار الغضب والاحباط الذي تملك الركاب ! وخاطبت المندوب بأننا لن نستطيع العودة الي منازلنا فمن الركاب من أتي من الكلاكلة ومنهم من أتي من الثورة بأمدرمان وآخرين من أحياء وأماكن بعيدة وإن عليهم تحمل المسئولية كاملة وفي هذه الحالة عليهم أن يستضيفونا في فنادق وهكذا تفعل شركات الطيران المحترمة , وأجابني بكل بساطة إنهم لا يستطيعون فعل ذلك لأنه ليست لديهم إمكانيات , وأيقنت أنه لا جدوي من الحديث معه , ولحسن حظي كان منزل شقيقتي قريباً من المطار بحي العمارات , فذهبنا الي هناك وأمضينا الليلة معهم راجين أن يأتينا الفرج في صباح الغد , ,اكتفي بهذا القدر من النكد ولا أود أن أثقل احساسك ببقية القصة وما فيها من فوضي وارهاق وبوظان أعصاب , ولكن سافرنا في النهاية في منتصف نهار اليوم التالي .
وأتخذت قراراً نهائياً بأن لا أسافر علي سودان اير ولو وقفت الطائرة أمام باب منزلي (وضربت لي بوري ) .
ونواصل المقال التالي مع خبير كابتن طيار سوداني متميز عالمياً
هلال زاهر الساداتي     
helalzaher@hotmael.com zaher [helalzaher@hotmail.com]
\\\\\\\\\\\\\\\\\

 

آراء