على طًللِ السودان .. شعر محمد المكي إبراهيم

 


 

 



ازاء الخطب الجلل والكارثة الكبرى لتجزئة السودان وبلقنته وجد الشاعر نفسه عائدا الى تقاليد القصيدة الجاهلية بأوابدها اللغوية ووقوفها الباكي على اطلال الاحباب الراحلين وفي تقمصه للشاعر الجاهلي اصطنع الشاعر السوداني لغة جزلة قريبة من لغة ذلك العصر. وهي لغة  قد تبدو لنا صعبة وحوشية وقافيتها عسيرة ولا تساعد على التدفق والاطالة   ولكن وجدان القاريء السوداني المسكون باحزان تلك المأساة سيفهم عن الشاعر وينفعل بكلماته   و حزنه العميق على وطن يتفتت ويتحول الى اشلاء ونثارات. ومأمول ان يتحقق ذلك عن طريق وحدة شعورية بين الشاعر وقرائه تجعل الانفعال ممكنا عبر كل الحواجز  .



على طًللِ السودان
خليليَّ هذا َربْعُ عزِّةَ هــــــــــــذه  رســـــومُ مغانيها وهذي ُطلولها
هنا كانتِ الأنسامُ تسري رخِيّةً   تقرِّبُ أغصـــــانَ المُني إذْ تميلها
وكانت عشيَّاتُ الحِمى ذاتُ بهجةٍ  يُدِلُّ بكاساتِ الســـــرورِ مُديلها
لقد نفذَ المقدورُ فيها فصوَّحــــــتْ بســـــاتينُها وانفضَّ عنها قبِيلُـها
فيا لكَ فيها من قبابٍ كواســــفٍ جرى بينها كالجدولِ الضحلٍ نيلُها
ويا لكَ فيها من حبيبٍ دفنتُه          برابيةٍ لا ُيســــتطَاعُ وصولُها
فأصبحَ رســماً دارساً وأضـْـــــــعتُهُ بيهماءَ قَفْرٍ لا يبينُ  ســـبيلُها
خليلي هذا ربعُ عَزَّةَ أنزِلا          نُخفِفُّ عن هذي القلوبِ حمولها
دعاني أُسرِّي الهمَّ عني بعبرةٍ        تبرِّدُ أضلاعي وتشفي غليلـها
بلطمٍ ولثمٍ  للترابِ وحثْوِهِ  على الرأسِ والاعضــــاءِ ) فُلُّتْ فلولها(
فكيف اصطباري إذ أراها صريعةً ولا قولَ لي في أرْشِها وُذحولها*
وكيف هلاكي دونَها حيثُ لم يكـن قتالٌ ولم ينهضْ لحربٍ فحـــولها
لقد أسلموها هاربين وهرولوا        وما همَّهم من عُلْوِها أو سُفولها

سلامٌ عليها شدَّما كنتُ أرتجي      لأدوائـــــها طِباً  رؤوماً   يزيلها
فتصبحُ روضاً للإخاءِ وبيعةَ          يطيبُ لأيفاعِ اليمـــــامِ نزولها
لحى اللهُ قوماً مزقوها وأبعـــــــــــــدوا  شقيقين كانا  خُلُّةً   وخليلها
على طللِ السودانِ حِلًّ لك البكا        وحِلّ لأنهارِ الدموعِ   مسيلها
وما الدمعُ والحزنُ العقيمُ بنافعٍ            إذا  لم تُعبّى للطّراد خيولها
--------------------
* الارش:الدية والذحول الثارات مفردها ذحل


Ibrahim ELMEKKI <ibrahimelmekki@hotmail.com>

 

آراء