لا خيل عندك تهديها ولا مال
بسم الله الرحمن الرحيم
نادر السيوفى/مانشستر –المملكة المتحدة
حقاً فإن من الشعر لحكمة كما قال رسولنا الكريم ( ص) , فقد جادت قريحة ابى الطيب المتنبى بهذه الأبيات فى مطلع قصيدة طويلة ومناسبتها هى انه دخل علي أبى شجاع فاتك الكبير المعروف بالمجنون ليهنيه ويبارك له، وبالطبع فليس هنا للغزل أوالغرام مقام، وليس للحكمة مناسبة، ولذلك بدأ معتذراً ومتلطفاً ليقول :
لا خيل عندك تهديها ولا مال ---- فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
وجاء فى القصيدة أيضاً :
كأن نفســك لا ترضــاك صاحبها/ إلا وأنت على المفضال مفضالُ
ولا تعدك صواناً لمهجتها/ إلا وأنـت لهـا في الروع بــذالُ
لولا المشــقة سـاد الناس كلهمُ/ ألجــود يفقر والاقدام قتالُ
إنا لفـي زمنٍ تـرك القبيح به/ من اكثـر الناس إحســان إجمالُ
ولقد ذهبت هذه الأبيات مثلاً يضرب فى أن القول الحسن ليعد فى مقام الرفد والعطاء بالمال والهدايا الثمينة كالخيول العربية الأصيلة , وقريباً من هذا يقول السودانيون ( بليلة مباشر ولا ضبيحة مكاشر ) ويعنون بها أن بسط الوجه والترحاب الصادق خير من إيلام ومد أفخر الولائم من قبل اصحاب الوجود الكالحة العبوسة التى لايجد البشر أوالإبتسام إليها سبيلا ..
عزيزى القارئ ... هذا ماكان من حكمة العرب ومن فطرة عامة الناس أما أهل الساسة والسياسة فقد جعلوا من استقطاب الناس وكسب قلوبهم جوهر أعمالهم وغاية مطلبهم فهم يريدون الصديق حليفاً والمحايد صديقاً والعدو محايداً , بل جعلوا من شعرة سيدنا معاوية مثالاً وقدوة فى التعامل مع الناس فإن شدها الناس بسطوها ورخوها ...كذلك تمتع دهاقنة الساسة ومشاهير أهل الحكم فى معظمهم بمقدرة عالية على الإبانة والإفصاح عندما يريدون ذلك , وبمقدرة فائقة على جعل الحديث حمال أوجه يفسره الناس كيفما يشاؤؤن عندما بريد الدهاقنة ذلك أيضاً ..
ونسجاً على ذات المنوال فقد إمتازت الحياة السياسية السودانية فى ماضيها بطائفة من أهل السياسة والحكم الذين تميزوا بالقول الفكه العذب والأحاديث الذكية والملح الطريفة والدعابة اللاذعة فالكل يتذكر درر الأزهرى والمحجوب ولايزال السودانيون يتذكرون السيد محمدإبراهيم نقد عندما رد على المرحوم الدكتور عمر نور الدائم - وكان حينها وزير الزراعة فى الديمقراطية الثانية – بأن لايعتبر الأمطار الغزيرة حينها من إنجازات وزارته إستدراكاً وأخذاً منه على الدكتوركثرة الحديث فى تقريره الدورى عن نجاح الموسم الزراعى المطرى بالبلاد فى تلك السنة ..!!!
أما السيد الإمام الصادق المهدى فقد أسس لمدرسة خاصة به فى الخطابة والترقيم وإستحداث المصطلحات الجديدة وضرب الأمثال بل والسخرية اللاذعة من الخصوم عندما يقتضى الأمر ذلك فلازال السودانيون بتذكرون مقولته ( أبوحريرة شم شطة فى الجو فعطس ..!!!) وجاء ذلك فى سياق نقده لإستيراد الخراف الأسترالية الذى قامت به وزارة التجارة التى كان يشغل فيها أبوحريرة منصب الوزير ....
وعطفاً على ذلك المنوال فإن الشيخ الدكتور حسن الترلبى قد إشتهر بالخطابة البارعة وبالحديث الساخر والإشارات اللماحة والتعريض الذكى بدون التطرق للخصوم بالأسماء أبداً مما جعل لمحاضراته سحراً والقاً وحضوراً جماهيرياً واسعاً بل أن الخصوم والمعارضين ظلوا يتقاطرون لحضور مخاطاباته الجماهيرية العامة ولازلت اذكر عبارته الجامعة الباهرة فى إحدى ندواته عندما كان رئيساً للمجلس الوطنى حاثأ أهل الحكم بالمركز على إعطاء أهل الأقاليم حقهم عندما قال وبالحرف الواحد ( أعطوا الأقاليم حقها وإلاً فستأتى إليكم فى الخرطوم ) وهاقد جاء خليل بعدها بسنوات قلائل بجيوشه من أقصى دارفور إلى عاصمة البلاد فى تصديق وترجمة لبعد نظر الرجل وحكمته وصدق قراءته للاحداث ...
هذا بعض ماكان ويكون من أحاديث وفنون أهل الساسة والحكم أما الآن فى عصرنا الحالى هذا فقد إبتلانا الله بعصبة من أهل الحكم والسلطة ولسطوة والنفوذ لم يقدموا لشعبهم (الخيل أو المال ) ولم يعوضوه كذلك بالصمت الحكيم والنظر المتأمل دعك عن القول الأخاذ الذى يأسر القلوب أو الحديث اللماح الذكى والنطق الفصيح المبين بل جاءنا هؤلاء العصبة المتنفذة من أهل الحكم والصولجان بغريب العبارات وبائس القول بل وهابطه أحيانا مما سمم الأجواء السياسية بل زادها ضغثاً على إبالة كما تقول العرب وتقصد بذلك (الإبالة، الحزمة من الحطب. والضغث، قبضة من حشيش مختلطة الرطب باليابس)
إن صدور عبارات مسمومة من قبيل : عواليق , لحس الكوع , سجمانين, تقطيع الأوصال , شحاذبن , ماحنديهم حقنة , الراجل يطلع مظاهرة والعندو عندنا حاجة يجى يقلعها , إبن حرام , سيخرجوا من جحورهم كالجرذان إلخ... لتعد من قبيل التدنى والهبوط فى الخطاب السياسى بل هى من قبيل العنف اللفظى الذى يقود لا محالة للعنف الجسدى ودوامته التى لاتبقى ولاتذر(حادثة لندن مثالاً) كما انه يشكل عامل تنفير للجماهير وإستفزاز لمشاعرها وخدش لكرامتها وما ثارت الشعوب العربية فى ربيع العرب إلا ثاراً لكرامتها فى المقام الأول ...
ختاماً نقول لساستنا وولاة الأمر فينا وهم أهل مشروع حضارى يستند على مرجعية الإسلام كما يقولون فإن مما جاء من آثار النبوة قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم لكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) رواه الحاكم و البيهقي في شعب الإيمان.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة ) صحيح الألباني.
كما قد وصف الله تعالى أخلاق النبي وجمعها في آية واحدة وقال { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } سورة القلم.. فهل نطمع من أهل الحكم والصولجان فى (أن بسعد النطق إن لم تسعد الحال ..؟؟؟)
نادر السيوفى –المملكة المتحدة (مانشستر )
Email: elsufinader@hotmail.com