رسالة نورٍ لمقام الدكتورة ” ناهــد محمد الحســن”
عبد الله الشقليني
21 October, 2011
21 October, 2011
abdallashiglini@hotmail.com
رسالة نورٍ لمقام الدكتورة " ناهــد محمد الحســن"
مقدمة :
الرسالة مقتبسة من مقال الدكتور" كمال أبوديب " :
(مزامير لامرأة لا تليق بأوصافها التسميات ) وأدخلنا من التعديل بما يليق بالمناسبة .
وقد اتخذنا من أنموذج الدكتورة " ناهد محمد الحسن " وزميلاتها في العمل العام الرسالة التي رغبنا في النور ، من أجل حياة اجتماعية متقدمة عما نشهد اليوم في حياتنا ، وفي مجتمعنا .وتلك رسالة لكل فتاة أو سيدة لم تقنع بما تيسير من فتات الحرية التي ضنَّ بها المجتمع من أجل شريكة حقيقية في الحياة ، ظلمها المجتمع الذكوري ظلماً بيناً منذ تاريخ قديم ، وآن لهذا التاريخ أن يغتسل من خطاياه بحاضر أكثر إنسانية .
النص :
(1)
سيدة من موطني ، مُحبة للحرية ، تتأبى أن تكون مطية العبودية ، ناهضة كسهمٍ مُشرق في خيمة ليلنا البهيم . نقية من الأحقاد ، متحررة من أرواح القبيلة وثاراتها ، تلوبين لتُحرري اليواقيت الناضرات من بنات جنسكِ اللواتي تخفق قلوبهم بالعواطف النبيلة . من كل الأعمار و أمهات كستهنَّ النبوة في أحاديثها رونقاً وجمالا.ناشطات تجملنّ بالعمل العام .
(2)
هذا يومَكِ يا سليلة الأنهار المتدفقة ، التي لم تألف الوقوف على ضفاف القضية ساكنة . في وجه كل النضار، سهمكِ الرشيق يحطّ في موطنه من الفعل النبيل في قضية هي بألف قضية ، فيها الخصم أكبر من جلال المحكمة ، وسطوته أكبر من صولجان العدل .لأنكِ من وراء الحق ، لا تَدعين طريقاً ناصعاً كصفحة السيف إلا ذهبتِ إلى غاياته الكُبرى .
(3)
تخرجين باسم اللواتي رزحنَّ في سلاسل الكبت ، الذي ران عليه التاريخ بقدمه الهمجية ،ولما تزل في الحاضر الماثل ، وتُحرري سجانكِ الذي يلعب دور الحارث الأمين للعورة في أسفاره التي يقرأ ، وعليها يعتمد ، وهو المنتهك في الصباح الأبلج . يراكِ من تُخمة ما به ناراً للغواية التي أكلت وعي الذين لبسوا كساء الورق الرحماني ، لتبدو صورهم متماثلة مع صور التقاة والربانيين . وإنها لقضية أكبر من وطن .
من فجوات التاريخ ، خرجتِ وتخرجين ، أكبر من نداء الحق ، وأصدق من الأنبياء الكذبة ، وأعرق تاريخاً من الذين استتروا من وراء قوة السلطان ، ناسين أن المولى يعزّ من يشاء ، ومن حكمته أن يعطي عطية الملك ، ولكن ينزعها نزعاً و يلقي بالأكاسرة إلى مزبلة التاريخ .
(4)
نرى وجهك في كل البسيطة التي نشهد ، تقف مثل ما وقفت الأمهات عند الفجر من كل يوم لخبز الذين نهضوا من منامهم للواجبات الثقال .لتكن نصيرة الكادحين ، والراضعين من أثداء كنُبل القمر عند العاشقين .
مثلكِ رفيقات ، سيدات العزوة والغرض النبيل .هنَّ في الحياة شركاء مثل رصفائهنَّ في الحقول وفي البوادي وفي المدارس والمعاهد وفي مدرجات الجامعات وعبر مُختبرات العلم ، وفي مشارح المستشفيات و رياض الأطفال و عند خيام البداة الراحلين إلى مساقط الغيث ، بل شققنّ طريقهم للمنافي ، يحفرنَّ في كهوفها مكاناً لحياة أفضل . رفيقاتكِ ، في المصانع والمتاجر ، وفي مقالع الجبال وفي معارك الصراع من أجل مستقبل أكثر بهاء وحرية و كرامة . هنَّ في ردهات المصارف ومكاتب التجارة ، والهندسة والطب والصيدلة وعلوم النفس البشرية وتغوصين في منابع الفكر و تقوضين التصورات التي ورثناها و تغرفين من خضمّ المعرفة التي تكتظ بها الحواسيب وتديرين المتاجر الأنيقة ، و تشعّين على شاشات التلفاز ، و تأتلقين في الصحف والمجلات ، وتحنّين على طفلٍ رضيع ، و تواسين عجوزاً معدمة ، و تميلين شفقة على قامة ذكر حنَتْها السنون ، وأثقلتها أعباءُ عمر قضَمَتْه سنواتُ البحث عن لقمة العيش . وكنتِ ومثيلاتك الذينَّ وقفوا بديلاً لدور العجزة ، يحمون الأجداد والجدات في زمان القحط ، فالعاطفة أكثر إنسانية لديهم من الذين زحفوا بليل وقبضوا مفاصل الحُكم قسراً ، خرقوا الدستور ، لبسطوا كل الدولة لملاكهم الخاص ، ويعف اللسان عن المخازي ( من أين جاء هؤلاء) ، ونعرف أن نصرائهم لا علاقة لهم بوطننا ، جاءوا من هضاب جبال آسيا ، لا تعرف قلوبهم رحمة العقيدة ولا سماحتها ، عرفوا القتل والجلد والقطع والكثير مما يعُف عنه اللسان . تقاطروا من أوكار الذئاب البشرية وأقاموا في السودان موطناً .
(5)
وفي كل شيء أراكِ فيه ، وأرى مثيلاتَكِ في سيمائكِ القدرة على الخلق وحدّة الذكاء ، و نقاء السريرة ، و صفاء العطاء ، وروعة التفاني ، والوله بالابتكار ، والصبر على المكاره ، و الإباء على الضيم ، والتضحية بكل نفيس من أجل ما هو حقٌّ و خير . وأحسُكِ حرّة تجوع ولا تأكل بثدييها من شراسة الضنَك ، وفي زحمة الكفاح .يزهو بكِ المرء ابنة ، وأختاً ، و أماً، و زميلةً ، و منافسةً ، و سبّاقةً و مُلهمةً ، و قائدة داعمة ، و رائدة ورفيقة طريق .
(6)
وأراكِ قامة لا تكبُلها السلاسل التي صنعها الذين ترتعد فرائضهم خوف أن تفتحي عينيكِ على آفاق الحرية ، وتندفعي في مسالك المشاركة والريادة ، و الاكتشاف ، والذين يرعبهم أن يكون وعقلكِ وقّاداً ، و ذكاؤكِ فعّالاً ، ويداكِ قادرتين على الهدم كما هما قادرتان على البناء .فيقمّطونكِ بتراث العشيرة ، و يقنعونكِ بحُجُب الكتب الصفراء ، وآيات الكبح والإقصاء ، وترانيم الهياكل الوثنية . وعلى الأجساد يعلقون تمائمَ خوفهم .وتبصركِ المُقل ،فتراكِ ما لا ترى الأحداق ؛ ذاك أني لا أراكِ رؤيةَ عينٍ ، بل أغور إلى ما تستشفه البصائر التي تتقرى الباطن الخفي ، المستتر الذي ما يزال في رحم الغيوب .
(7)
بلى ، أبصركِ في ما لم يكن ، موقناً أنه سيكون :
امرأة تنتصب في مسالك الرحيل ، مكتظة بشهوة الاكتشاف ، ونشوة العبور إلى معارج الصراع ، و مفازة البحث عن مفاتن المعرفة . امرأة لا تهاب حميّا العراك ، ولا يرف لها جفن في مغاور التيه ، حين يفتنها نداء الحقيقة ، وتعصف بأعراقها رغبة الولوج إلى مغاور المبهمات ، ودهاليز المحرمات . امرأة تحتفي مثلما تحتفي الطبيعة كل يوم بولادة فجرٍ جديد و شفقٍ خضيل .
(8)
ثم أراكِ في ما تجئ به السنون ، عالية الرأس ، سامقة الجبين ، طليقةً في رياح المسافات ، تخلعين عنكِ ربقةَ الوصاية ونيرَ الحماية. و كذا تمضينَ وحدَكِ في ما أراكِ عليه من نشوة الانفلات نحو كرامة العيش ، لا وصي عليكِ و لا قَوّام ـ سوى ما تقيمينه أنتِ لنفسكِ من حدود ، وما تُجلِّينه من قيم و مفاهيم ، وما يزدهر في حدائق مشاعركِ النقية من أوراد ـ ولا حامل سياط يهُش بها عليكِ حين تسكُنين وادعة .
(9)
بلى ، أراكِ في ما لا يُرى رؤية العين ، بل تدركه البصيرة التي تتمتع بنعمة النفاذ إلى أغوار الأعماق ، و ملَكة التشوّف والاستشفاف .وكذا أراكِ : تولدين من توق أرضٍ إلى العطاء ، وحنين تربةٍ لمطر الربيع ، ولهفة غِراس لآلهة الخصب .
لكن ما من ضلوع آدم النبي الأول تخرجين ، ولا من خيال ذكر تتشكلين ، بل تكونين من طينة البدء ، ومن رحم الأرض . تقلِّمين براثن الكواسر بحدّة الفهم ، ورهافة الذكاء ، و صلابة اليقين ، وفيض المعرفة ، و روعة التقدير ، و دقّة التحليل ، وسلاسة الكلمات ، فتكونين في كل شيء كما نصلِ سيفٍ صقلته أنامل الله ليكون صارماً يبتر الطغيان ، و يجُبُّ رأس الأفعوانِ الذي يُكبّل بكلاكله حُريّة الإنسان ، ويلتف خانقاً و مستنزفاً ، على صدور الأوطان .
عبد الله الشقليني
16/10/2011
*