الفتوجية!!

 


 

 


هناك نكتة مصرية قديمة سبق وتعرضنا لها ولكن المناسبة تتطلب إستعادتها . ذهبت السيدة المصرية الى المقابر أو (القرافة) كما يسميها المصريون للترحم على زوجها فى قبره ،  وهناك وجدت مقرىء كفيف ممن يتكسبون من قراءة القرآن على أرواح الموتى فدخلت معه فى جدل حول (تسعيرة) تلاوة بعض الآيات على روح زوجها ، فكان المقرىء يصر على جنيه بينما تمسكت المرأة بربع جنيه ، وبعد أن أنهكت الرجل بفصالها قبل على مضض سعرها ، ولكنه راح يتلو القرآن على قبر زوجها وهو يتخير كل آيات الوعيد والعذاب والسعير الذى ينتظر الكفار والعصاة فى الآخرة فصاحت فيه المرأة فى هلع : (ايه ده ياعم ... مافيش حاجة أحسن من كده ؟) ، ولكن المقرىء الكفيف رد عليها ببرود قائلاً : (ماهو على أد فلوسك يا ست ) .
هذا الرجل الذى سعّر أيات الله وراح يتكسب منها ويبيع فيها وفق قوانين العرض والطلب شأنه يماثل (فتوجية) السلطة الذين يتطوعون بتقديم الفتوى الدينية للسلطة بشكل يتوافق والمزاج السياسى لأنظمة الحكم . كتاب الله بين أيديهم يغضب لغضب السلطة ويبطش لبطشها ويرضى لرضاها ويشرّع لشرعها ولتوجهاتها السياسية . (فتوجية) لا يجهدون أنفسهم لإلتماس الفتوى الشرعية طالما كان الأمر يتعلق بضيق عيش العوام من الناس ، والذى ما ضاق إلا بالممارسات الفاسدة والبطش غير الرحيم بأقوات الناس وأسباب حياتهم . (فتوجية) لا يلتمسون الفتوى الشرعية وهم يرون أصحاب الجاه والسلطان ينعمون بالقصور الباذخة والمخصصات المترفة والسيارات الحكومية الفارهة مثنى وثلاث ورباع بينما بعض الطالبات الجامعيات  يتسولن طعامهن ، وأخريات يغسلن ويكوين بالدستة فى مقابل توفير معاشهن ونفقات دراستهن . (فتوجية) لا تؤرق وجدانهم الدينى عذابات البسطاء الذين يُفزعون كل صباح بطرقات الجبايات الحادة على أبواب بيوتهم المستأجرة .. من نفايات وفواتير مياه وعوائد ورسوم مدارس بعد أن أطفأوا  حتى وميض أرواحهم ليرشدوا فواتير الكهرباء ، وبعد أن نسىّ أطفالهم طعم حليب الصباحات الباكرة ونسيوا حتى لونه . (فتوجية) لا يضيرهم حال المرضى الذين باتوا  يتشهون الموت بعد أن عزّت عليهم جرعة الدواء وراحت مستشفيات الحكومة تبيعهم حتى القطن والشاش بينما المستشفيات الخاصة تعلق على مداخلها لافتات أنيقة تقول : (عفواً .. الفقراء يمتنعون) . (فتوجية) السلطة لا يعنيهم كل هؤلاء فمصالحهم وقلوبهم وأبصارهم وأفئدتهم معلقة بقصور وعروش السلطة ..   فتاواهم تميل أينما مال ريح السلطة .
إن الحديث الذى تناثر على صفحات الصحف ونحن على أبواب عيد الأضحى المبارك حول جواز شراء الأضحية بالدين  أو التقسيط هو محاولة إسناد (فقهى) للحكومة وهى تحاول التنصل من تبعة الإنهيار الإقتصادى الذى أقر به وزير الخارجية ونفاه وزير المالية وأكتوى بضرام نيرانه الفقراء وهم غالب هذا الشعب الصابر المحتسب ، وكأن من تجرأ بتلك الفتوى يريد تعزيز الخطاب الإعلامى الرسمى بأن الإقتصاد بخير وأن غلاء الحياة وغلاء الخراف واللحوم لم يكن بسبب الحروب السياسية فى مناطق الإنتاج  ولا بسبب الجبايات الولائية والمركزية ، فالأمر كله فى نظر الحكومة يعود لجشع التجار بينما المنطق البسيط يقول أن التاجر هو أول من يتأذى من مناخ الركود والكساد الذى ينجم من غلاء الأسعار . ويبقى السؤال المنطقى : إن كان السواد الأعظم من الناس لا يملك قيمة بضعة جرامات من اللحم فكيف السبيل حتى للإستدانة التى جوّزتها الفتوى وممن يستدينون ؟ !
fadil awadala [fadilview@yahoo.com]

 

آراء