الحكومة القادمة، تجديد ام تجميل
المتفائلون كانوا ينتظرون في تشكيل الحكومة القادمة، ما بعد انفصال الجنوب - والتي طال انتظارها - ينتظرون نوع من التجديد في توجه الحكم نحو حل المشكلات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية المستعصية التي يعاني منها السودان. الا ان مثال حكومة ولاية الخرطوم التي تعتبر نموذجا مثاليا لما يمكن ان يكون عليه الوضع في السودان، كان مثالا لا يؤشر الي ان اختراقا ما نحو التجديد – ناهيك عن التغيير- يمكن ان يحدث. نفس القطار القديم وربما بنفس الركاب، الا ان بعضهم كان يجلس خارج دائرة الضوء.
جاء تشكيل حكومة ولاية الخرطوم مخيبا للامال في التجديد، حتي في كثير من الاوساط المقربة من مراكز صناعة القرار اضافة لما يثار من لغط حول عدد من الملفات الخدمية الحيوية المهمة والخوف من الخلط والتوامة بين الاستثمار والسياسة والعمل العام والخاص. شيء من الغموض يحيط بكثير من الجوانب التي من الصعب تفصيلها في غياب المعلومات وسيادة التكسب والاجندات المتداخلة. بالمقابل فيمكن القول ان البيان بالعمل وسيتم تقييم انجاز كل من قبل تولي شأن عام ومدي نجاحه او اخفاقه في حل المشكلات التي تنتظر وظيفته العامة، ومن قبل تولي العمل العام فعليه الاستعداد لقبول الانتقادات التي ستوجه اليه والمحاسبة التي تنتظره طال الزمن ام قصر، والا عليه التزام عمله الخاص والاعتصام به.هذا جانب سيحدث – في التقييم والمحاسبة- حتي في ظل الوضع الراهن الذي يتم فيه تولي المناصب وقسمتها وفقا للتعيين السياسي وليس بناءا علي الانتخاب او التمثيل (التفويض) الشعبي.
فيما يتعلق بالحكومة المركزية فمن الامثل بالطبع الحوار والتفاوض حول برامج العمل المرتقبة واسس توسيع المشاركة في الحكم (باستيعاب) قوي سياسية جديدة بالاضافة للمؤتمر الوطني المسيطر علي زمام الامور والمسير لها. الا ان ما جري هو الحوار حول قسمة المناصب والمكاسب التي سيحصل عليها المشاركون الجدد. بهذا الشكل فان الشراكة لا تعدو ان تكون فرصة للمكاسب الخاصة وتحسين الاوضاع الاقتصادية وتوسيع الفرص التجارية للقادمين الجدد وتخفيف عبء المسئوليات الاجتماعية والسياسية عن المسيطرين الاصلين علي الامور، يتم ذلك عبر اقامة ركائز جديدة (شِعب، في التعبير الشعبي الشمالي) تستند اليها سقوف وحيط الاعباء الثقيلة في الملفات السياسية والاقتصادية المعيشية التي تنتظر الحكومة القادمة، في ظل رياح التغيير الاقليمية والدولية العاصفة.
في غياب برامج العمل الواضحة حول عملية المشاركة في الحكم خاصة فيما يختص باليات الخروج من المشاكل السياسية العالقة ومستقبل الحكم في البلاد ومعالجة الوضع الاقتصادي والمعيشي المتأزم فان اي تشكيل وزاري جديد غض النظر عن المشاركين فيه لن يتجاوز عتبة العملية التجميلية لواقع مصاب بتشوهات خطيرة تصيب النسيج الاجتماعي في كل شبر من جسده.
اذا كانت هناك نية حقيقية للتغيير او تجديد الاوضاع فما هو المانع في اعلان برنامج صريح وشفاف حولها ونقاشه في الهواء الطلق؟ في هذه الحالة ليس هناك ما يعيب في الشفافية والافصاح. اما اذا كان الامر متعلق بالمكاسب الخاصة و(المخارجة) او (التوريط) فهناك بالفعل ما يدعو الي التخفي والتردد والخوف. هناك شيء واحد يمكن تاكيده هو ان الملفات الاقتصادية غير قابلة للتاجيل او الاخفاء وانما تستدعي المواجهة الصريحة وعلي وجه السرعة لانها متعلقة بحياة الناس اليومية وستكون من اهم محددات الاستقرار والتماسك الاجتماعي قبل انفراط الامور بشكل لا يمكن السيطرة عليه، خاصة في واقع بالغ التعقيد مثل السائد اليوم في السودان.بالرغم من كل ذلك فان هذه الملفات تجد الاهمال التام الذي يصل الي حد الاستهتار ولا تجد ما تستحق من نقاش ما عدا الجدل الفارغ حول بعض الوزارات مثل وزارة الثروة الحيوانية وكأن هذه الثروة هامشية ولا جدوي لها، يدل ذلك علي عبثية النقاش حول المناصب وغياب برامج حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في اولويات النقاش الدائر حول توسيع قاعدة الحكم.
hassan bashier [drhassan851@hotmail.com]