النفط بوابة الحرب!!.(1-2 )
عادل الباز
25 January, 2012
25 January, 2012
25/1/2012م
لم يتبق لإعلان الحرب بين دولتي السودان القديم سوى الاستماع للمارشات العسكرية جنوبا أو انطلاق الدعوات للجهاد وحشد الحشود شمالا، أما البنية التحتية للحرب فلقد تم تعبيدها بالكامل. استغرق بناء مداميك الحرب ست سنوات هي عمر اتفاقية نيفاشا ثم بسرعة سقف البناء في أقل من عام هو عمر الانفصال بين الدولتين. الآن نحن على حافة الحرب وإذا لم يتدارك الله السودانيين برحمته فعن قريب ستتناثر آلاف الجثث في فضاء واسع هو طول السودان القديم وعرضه.
النفط الذي كان يظن أنه سيكون من العوامل التي ستؤسس لعلاقات ممتازة بين دولتي السودان أصبح الآن معبرا سهلا لعودة الحرب. للأسف طيلة الزمن الذي ظل فيه النفط يتدفق في شرايين البلدين لم تتم الاستفادة من عوائده بشكل فعال ، أصابنا باكرا بالمرض الهولندي وحلت علينا لعنة النفط. فبدلا عن الانتباه لخطورة الركون للنفط كمصدر رئيس للمداخيل الحكومة والتجارب العالمية والإقليمية ماثلة أمامنا تم تجاهل كل التحذيرات واستمرأت الحكومة الصرف على هياكلها السياسية المتضخمة وبعزقة أموال النفط بعيدا عن المشاريع المنتجة التي كان يمكن أن تعينها في سنينها العجاف هذه. سوء تقدير وسوء تخطيط تحسد عليهما. كما لم تقصر الحركة الشعبية التي أدارت وتدير شأن الجنوب في الصرف على ملشياتها وجيوشها فانتفت التنمية وظل الجنوب بعوائد نفطة يعاني المجاعات بينما تضخم ثروات السياسين والتنفيذيين الجنوبيين. الآن وضع الطرفان البلاد على حافة الحرب إعلانا عن عجزهما عن إنتاج اتفاق خلاق يعبر بهما أنفاق جدلهما العبثي الذي استطال لست سنوات. هل يعتقد الطرفان أن الحرب ستخرجهما من مأزقهما الداخلي والخارجي ....هيهات. سيتضح للطرفين بعد قليل أنهما أدخلا نظاميهما في مأزق كارثي لن يكسب منه الطرفان شيئا.
هب أن الجنوب أوقف إنتاج نفطه خلال الأسبوعين القادمين فما هي الآثار أو التداعيات المتوقعة على اقتصاده؟. سيفقد مباشرة 98 % من دخله القومي ولا مصدر آخر له!!. فكيف سيغطي الجنوب التزاماته السياسية والأمنية والاجتماعية؟. على المدى القصير يستطيع الجنوب أن يغطي أغلب احتيجاته من الاحتياطيات النقدية المتوافرة لديه الآن والتي هي الآن في حدود خمسة مليار دولار. على المدى المتوسط يمكنه الاستعانة بمؤسسات التمويل الدولية للحصول على قروض. في المدى البعيد بإمكانه بناء خط ناقل ومصافٍ منفصلة لبتروله لا تعبر بحدود دولة السودان. ماهو مع أن الجنوب بدأ يعمل في هذا الاتجاه بالإعلان عن مناقصة للشركات لبناء الخط الناقل.
أسئلة كثيرة ستتدفق على حكومة الجنوب في حالة اعتمادها على خيارات أخرى غير إنتاج بترولها. الاعتماد على الصرف من الاحتياطات سيؤدي إلى تدهور مريع في العمولات الأجنبية مما سيقود لرفع سعر الصرف وسيصبح الجنيه الجنوبي لا يساوي قيمة طباعته، إذ إن الدولة تعتمد بالكامل على مصدر وحيد للدخل هو النفط وتوقف. سيشنق الجنوب نفسه بحبلين حبل التضخم الاقتصادي، إذ ستشهد أسعار السلع الغذائية المستوردة ارتفاعا جنونيا وخاصة أن الجنوب يستورد كل شيء حتى المياه!!.ومن ناحية أخرى ستشدد الرقابة على الحدود مع الشمال لمنع أكثر من 186 سلعة يستوردها الجنوب الآن من الشمال وسيقود ذلك إلى تسارع مميت في معدلات التضخم.
خيار الجنوب الثاني في المدى المتوسط هو الاستدانة من الخارج وهو احتمال في حيز الممكن إلا أن الاقتراض من المؤسسات الدولية بحاجة لزمن في وقت تتأزم فيه الأوضاع الاقتصادية عالميا وتكاد مؤسسات التمويل الدولية تعلن إفلاسها فإذا لم يكن الجنوب قد حصل مسبقا على موافقات من تلك المؤسسات فسيجد وضعا صعبا أمامه وعليه الانتظار طويلا لحصد نتائج مفاوضاته مع تلك المؤسسات. أما الخيار الثالث الذي يتعلق بإنشاء خط ناقل فلا زالت الرؤية غائمة حول جدوى إنشاء هذا الخط. فالنرويجيون عبر دراسات أشاروا لعدم جدوى الخط لأسباب تتعلق بإنشاءات منتظرة في ميناء لامو بكينيا والتكلفة العالية لبناء الخط كما أفتوا بناء على درسات أخرى تتعلق بنفط الجنوب الذي سينضب في غضون عشرين عاما بعدم جدوى بناء خط ناقل لنفط الجنوب. قد يجد الأخوة في الجنوب مخرجا آخر ولكن ليس أمامهم سوى انتظار زمن طويل ليس أقل من ثلاثه أعوام ليتمكنوا من تشغيل خط ناقل خاص بهم. فكيف سيتمكنون من الصمود خاصة إذا لم يحصلوا على قروض ائتمانية ميسرة؟.
عادل الباز