قصص أديس أبابا (3)
عادل الباز
2 February, 2012
2 February, 2012
الجنوب...خطايا الحساب السياسي
2/2/2012م
بالأمس قلت ليس الاقتصاد، بل الحساب السياسي المبني على فكرة الصراع وكراهية الآخر هو ما يقود الإخوة في دولة الجنوب ليخطئوا الحساب، ويسيروا في دروب مدمرة لهم ولغيرهم. بدا لي كأن الاخوة في الجنوب يعتقدون أن هذه هي اللحظة التاريخية المناسبة للانتقام من شعب شمال السودان وتصفية حسابات خمسين عاماً!!.يعتقد الأخوة في الجنوب أن إيقاف ضخ النفط سيحقق لهم ثلاثة أهداف رئيسة وأهداف ثانوية أخرى لهم فيها مآرب أخرى.
الهدف الأول المنشود هو خنق الحكومة ومحاصرتها مالياً وجهجهة أوضاعها المضعضة أصلاً جراء فقدان عائدات البترول. ولكن لماذا؟ يقول باقان أموم (لماذا نسمح بسرقة نفطنا واستخدام أمواله في شراء أسلحة لقتل رفقائنا في السلاح؟). إذن وراء إيقاف الضخ أسباب سياسية محضة لاعلاقة لها بالاقتصاد وتقديراته. فالمطلوب منع الخرطوم من شراء أسلحة بأموال النفط حتى لاتستخدم ضد الجنوب من ناحية ومن ناحية أخرى ألا تستخدم ضد رفاق السلاح القدامى في مناطق تمردهم في جبال النوبة وفي جنوب النيل الأزرق. إضعاف الخرطوم هو السبب وراء إغلاق (البلوفة) لمنع الخرطوم من الاستفادة من أي عائدات مالية.
الهدف الثاني بحسب تقديرات بعض الجنوبيين أن الإمساك بخناق الخرطوم مالياً يهيئ الأجواء لانطلاق ربيع عربي بالسودان، مما يقود للعصف بنظام الإنقاذ والتخلص منه كعدو استراتيجي نهائياً. فإذا ما تصاعد الدولار وانعدمت السلع وتوقفت المصانع جراء عدم وجود مواد خام وتراصت صفوف البنزين، هب الشعب ليصنع ربيعه. وقتها يكون الرفاق في المناطق الثلاثة قد أشعلوا الحرائق إضافة للحريق الذي سيشعله آخرون في دافور. فيتداعى النظام ويستولى حلفاء الجنوب على السلطة في الشمال فتمتد الأيادي ليس للتعاون ولا استعادة الوحدة، بل لتصفية حساب الجنوب مع الشمال قديماً وحديثاً وعلى أيادي الرفاق القدامى.!!.هذا سيناريو قديم تعزز الآن، وهبت الرياح التي تملأ أشرعته فدقت ساعة العمل لإنفاذه. لست في ساعة التعليق على أي الأهداف، مهمتي الآن العرض فقط وسنعود للتعليق لاحقاً. ولكن لتنوير القراء دعوني استدعي ماقاله الخبير الأمريكي لصحيفة الخليج تايمز الاسبوع الماضي حين سئل عن إمكانية تفادي دخول السودان في معترك مواجهة دموية جديدة، قال الخبير (إنه يتوقع مواجهات دموية ومنطقة تستقطب فيها المرتزقة معتبراً أن وصول «ربيع عربي» إلى السودان سيكون بمنزلة الصخرة التي ستحطم «متجر الخزف»، أي الثروة النفطية، الذي استحوزت عليها الشركات النفطية الغربية وكلفها الطريق إليه جهداً طويلاً وتقسيماً لدولة) إنتهى.
إذا لم يتحقق الهدفين السابقين في مدى الستة أشهر المقبلة بعد إغلاق آبار النفط، فالهدف الثالث تحقيقه مؤكد وهو التحرر من قبضة الشمال نهائياً. يقول باقان في اتصال مع اليكس دوال نشرته ضمن تقرير نشر في الشرق الأوسط أول أمس (إنها قضية عزة واحترام للذات. ربما نكون فقراء، لكننا سنكون أحراراً).فالتحرر من أي علاقة مع الشمال هو الهدف السياسي، فأية علاقة مع الشمال تذكرهم بالدونية والاستغلال وعدم التحرر!!.
إذا أضفت إلى ذلك ما طرحه المفاضون في الجولة الأخيرة في ورقتهم التفاوضية من ضرورة حسم ملف أبيي وحسم ملف الحدود وهذه ملفات سياسية لايمكن حسمها في جولة تفاوضية قصيرة انما تحتاج لسنوات تستطيع أن تتوصل لنتيجة مفادها أن قضية النفط تم تسيسها واتخذت كأداة ابتزاز لتحقيق مآرب سياسية سواء كان بإضعاف الحكومة أو العصف بالنظام كله أو اخضاع الحكومة لتقديرات الجنوب في المناطق الثلاثة وأبيي التي تمت المطالبة بتسليهما للجنوب دون تأخير!!
اجتمعت هذه الأسباب الثلاثة لتصنع الموقف اللاعقلاني في المسارعة لإغلاق آبار النفط وجملة المواقف التي شهدناها خلال هذا الأسبوع بأديس أبابا. سنرى في مقال السبت كيف ارتكب الأخوة في الجنوب خطيئة التقدير السياسي وكيف وقعوا ضحية أوهام وحسابات سياسية غاية ما يمكن أن توصلهم لها في حالة تحققها هي هاوية حرب وقودها الناس والنفط!!
عادل الباز