النشيد الوطني: صوت الماضي بلا حاضر
منى عبد الفتاح
14 April, 2012
14 April, 2012
كيف لا
لحظات تأمل في ذكرى استقلال السودان السادسة والخمسين تلك التي قادتني للتمعن في النشيد الوطني السوداني لأجده رغم أهميته ودوره وحساسيته ، نشيداً جامداً وكأنه كُتب ولُحن لأناس من الزمان الغابر . ورغم تذكري جيداً كم من المرات بدأنا به يومنا الدراسي ، وكم وكم هزني بهيبته عند الاستقبالات الرسمية بغض النظر عمن تم استقبالهم بها ،إلا أنّ الإحساس الحالي به لم يعد هو نفس الإحساس ولا بأبياته التي تمجد نضال الشعب وتاريخه وهي التي نحفظها عن ظهر قلب :
"نحن جند الله ، جند الوطن ،إن دعا داعي الفداء لن نخن ،نتحدى الموت عند المحن ،نشتري المجد بأغلى ثمن ، هذه الأرض لنا ،فليعش سوداننا علماً بين الأمم ". ويباعد النشيد في خطابه فيصنف بني السودان في المقطع : "يا بني السودان هذا رمزكم ،يحمل العبء ويحمي أرضكم"، وهذا في رأيي هو تمييز واضح على أساس الجنس ، لماذا لم يقل يا بنات السودان ؟ لا أظن أن الوطنية ومنذ فجر التاريخ السوداني كانت مفصلة على بني السودان دون بناته ، فالسودانيات ناضلن جنباً إلى جنب مع الرجال إلى أن حصل السودان على استقلاله. ولو قلنا أن النشيد في وقتها لم يكن يعترف بدور المرأة مهما عظم ، فمن المفترض أن يفعل خاصة بعد أن وجد من المرأة السودانية ثباتاً ونضالاً أكثر من أجل الحصول على حقوقها ، وسعيها حتى وصلت إلى مكانة عالية ومميزة في المحيطين العربي والأفريقي. فبعد الاستقلال بسنوات دخلت أول امرأة البرلمان السوداني عام 1965م وكانت تلك هي فاطمة أحمد إبراهيم.
ليس كل طرق لقضية المرأة ورغبتها الملّحة في رؤية نفسها أكبر دوراً وأعلى مقاماً وأجمل روحاً وأجلّ موقعاً في النشيد الوطني ، يقع في باب الهروب من شعور بالنقص أو الدونية بقدر ما هو شعور بأن واقعاً ما انحرف عن طبيعته لتظهر الصورة بهذا الشكل غير المرضي.
حواء السودانية تنهض من غيبوبتها المؤقتة لتنقّب وتكشف عن رؤىً آتية من زمان منفلت من داخل الأسر. هي لحظة تجلٍّ عظيمة تلك التي تعلن فيها : أين أنا من زمان آدم كاتب النشيد ، وفي زمان آدم مردده إلى اليوم.
والنشيد الوطني المأخوذ من قصيدة طويلة للشاعر أحمد محمد صالح ، كان قصيدة خاصة بقوة دفاع السودان عند تأسيسها عام 1955م ، فهو يحمل رمزيته منها ، لذا تم اختيار الأبيات الأولى منه لتصبح نشيداً وطنياً أو نشيد العلم .ورغم هذه الرمزية لارتباط النشيد بتاريخ معين ، إلا أن ذلك لا يمنحه القدسية بحيث لا يتم تعديله أو تغييره إلى نشيد يواكب العصر ويضخ فيه دماً جديداً يعبّر أكثر عن وطنية الأجيال الحديثة ويزودهم بروحها في كلمات مهما كانت بساطتها فإنها ستكون أكثر تأثيراً فيهم .
وأطمئن صاحب كل رأي متحجّر أننا بذلك لن نكون مخالفين لبقية الأمم ، بل سنكون في ركب دول متحضرة. فقد نجح النمساويون بعد عقد من الزمان في الحصول على قانون يجيز تعديل النشيد الوطني النمساوي ليتمكن من تحقيق المساواة بين الجنسين. وقد كان النشيد فيما قبل يشير إلى أبناء الوطن دون بناته.
والنشيد الوطني السوداني رغم فخرنا به إلا أنه ليس من الثوابت ، فمن كان يصدّق أن بلداً بحجم السودان سيتقلص إلى هذا الحد ، فقد تم تعديل خارطة السودان بأكملها ولكن للأسوأ ، فما الذي يمنع تعديل النشيد الوطني للأفضل.وما الذي يمنع الزمن من ألا يقف عند محطة الخمسينيات ، فلندعه إذن يكمل دورته ولنفك أسر نشيدنا الوطني لينساب رقراقاً دون عثرة تعتريه . كل ما نأمله في رمزنا الوطني هذا هو أن يمد حبل الوصال ما بين عبق الماضي وصوت الحاضر عبر أواصر روحية عتيقة.
عن صحيفة"الأحداث"
moaney [moaney15@yahoo.com]