عوامل إسقاط النظام مازالت ماثلة

 


 

 




رغم انحسار موجة الاحتجاجات الجماهيرية، الا أن عوامل تجددها مازالت قائمة، فالنظام مازال سائرا في الطريق نفسه الذي قاد الي الأزمة والصعود الي الهاوية، فمازال القمع الوحشي للاحتجاجات مستمرا، علي سبيل المثال: تظاهر المواطنون في منطقة كرمة التي تقع علي بعد 50 كلم من الروصيرص رافعين مطلب تعويضهم عن فقدان منازلهم بسبب تعلية حزان الروصيرص. وكان الرد من السلطة باطلاق الرصاص عليهم وقتل 4 مواطنين، وهي جريمة تضاف الي جرائم النظام في انتهاكات حقوق الانسان، ومصادرة حق التظاهر السلمي ، وتتطلب تلك الجريمة الاستنكار الواسع من الرأي العام المحلي والعالمي، وهذه الجريمة امتداد لجرائم اطلاق النار علي مظاهرات البجا في بورتسودان، وابناء كجبار، والطلاب والمواطنين في نيالا ..الخ. وتزداد نيران الغلاء ارتفاعا حتي اصبحت الحياة لاتطاق، علي سبيل المثال: بلغ سعر كيلو اللحم البقري 40 جنية وسعر كيلو الضأن 50 جنية، ويتوقع أن يصل سعر خروف الاضحية هذا العام مابين (1500 – 2000 جنية)، وقس علي ذلك ارتفاع بقية السلع والخدمات، مما يؤكد أن عوامل انفجار المظاهرات والاحتجاجات سوف تستمر وتزداد اشتعالا.
هذا فضلا عن عجز الحكومة في مواجهة مخاطر الفيضانات والسيول التي دمرت الكثير من المنازل والقري في مناطق شرق وغرب السودان، وعجزها عن مواجهة آثار تدهور صحة البيئة واسراب البعوض والذباب التي غزت العاصمة والاقاليم. اضافة الي المحاطر التي تهدد الموسم الزراعي مثل ارتفاع تكلفة النظافة والسماد والامطار والسيول ، وتعثر التمويل بالعملة الصعبة في مشروع الجزيرة الذي كان من اسباب زراعة 12% من المساحة المحددة للقطن (زراعة 95 الف من جملة 800 الف فدان).
ويضع المؤتمر الوطني العراقيل أمام وصول الاغاثة للمتضررين من الحرب ، وحسب تقدير الأمم المتحدة أن 650 الف شخص شردوا وتضرروا بشكل كبير من القتال في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
وكعادة المؤتمر الوطني عندما تضيق به الاحوال يدعو الي الحوار مع القوي السياسية، بهدف كسب الوقت ريثما تنفرج أزمته، كما فعل في الاتفاقيات التي ابرمها مع القوي السياسية والحركات مثل: اتفاقية جيبوتي مع حزب الأمة واتفاقية القاهرة مع التجمع الوطني الديمقراطي واتفاقية نيفاشا التي كان من نتائجها انفصال الجنوب، واتفاقية ابوجا مع حركة مناوي واتفاقية اسمرا مع جبهة الشرق وأخيرا اتفاقية الدوحة مع حركة العدالة (د. السيسي). فكيف يدعو المؤتمر الوطني للحوار بعد التجارب المريرة معه في نقض العهود والمواثيق، فالمؤتمر الوطني متشبث بالسلطة التي تعتبر مصدر ثراء الفئة القليلة الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية الحاكمة التي راكمت معظم ثرواتها من نهب القطاع العام وعائدات النفط والعمولات، وتخصيص 75% من الميزانية للأمن والقطاع السيادي، وتدمير مؤسسات عريقة وبيعها باثمان بخسة لمحاسيب النظام مثل: السكة الحديد والنقل النهري والخطوط البحرية السودانية ، والطيران المدني مما ادي الي تكرار حوداث الطيران وأخرها حادث الطائرة في تلودي والتي راح ضجيتها 31 من الدستوريين والعسكريين، وطبيعة هذا النظام ترتكز علي مصادرة الحقوق والحريات الأساسية مثل : حرية التعبير بمصادرة الصحف واعتقال وتشريد الصحفيين ومنعهم من الكتابة، وايقاف صحف مثل: "الميدان"  و " التيار"..الخ.ومصادرة حق المظاهرات السلمية التي يكفله الدستور والقمع الوحشي لها بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والحي ، واستخدام مليشيات المؤتمر الوطني" الرباطة" المسلحين بالسكاكين والسواطير والمسدسات في قمع المظاهرات والاحتجاجات السلمية، والتعذيب الوحشي للمعتقلين السياسيين والذي يتخذ الاشكال المتعددة والمتنوعة من بدنية ونفسية. اضافة الي تعميق الخطاب العنصري، واشعال الحروب في مناطق جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان وابيي ودارفور.
ومن شروط الحوار اطلاق الحريات العامة، واطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ، ووقف الحرب. اذن كل دعوات المؤتمر الوطني للحوار هي ذر للرماد في العيون وللاستهلاك المحلي وكسب الوقت ، اضافة الي أن حركة المعارضة الجادة توصلت من خلال تجاربها انه لابديل غير اسقاط النظام، والذي يفتح الطريق للتحول الديمقراطي ووقف الحرب والحل الشامل والعادل لقضايا مناطق جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان وابيي ودارفور والشرق، وحل الضائقة المعيشية والأزمة الاقتصادية ، وحل القضايا العالقة مع دولة جنوب السودان( البترول، ترسيم الحدود، المواطنة والجنسية... الخ).
وهناك المحاولات للهبوط الناعم، كما في المشروع الامريكي( ورقة ليمان) والذي يهدف الي اعادة صياغة المنطقة وفقا للمصالح الأمريكية وحدوث استقرار يهدف الي استغلال ونهب موارد المنطقة، واحداث تغيير شكلي علي النمط التركي بقيام نظام اسلامي معتدل يتم فيه اشراك احزاب من المعارضة ، واقسام من المؤتمر الوطني، والحركات..الخ، والمخطط امتداد لأهداف امريكا منذ ااستقلال السودان والتي وجدت ضالتها في التعاون مع انظمة ديكتاتورية مثل: نظام عبود والنميري ، ولكن ثورة اكتوبر 1964م ضد ديكتاتورية الفريق عبود، وانتفاضة ابريل 1985م ضد نظام النميري قطعت الطريق أمام المخطط الأمريكي، واخيرا جاء نظام الانقاذ الذي قدم خدمة لامريكا كانت تحلم بها مثل: فصل جنوب السودان، وتنفيذ مخططاتها والتدخل في شؤون البلاد الداخلية من خلال سياسة "العصا" و"الجزرة" والتفريط في السيادة الوطنية. امريكا ليست حريصة علي الديمقراطية وحقوق الانسان في السودان ومحاسبة النظام علي الجرائم التي ارتكبها، بقدر ما يهمها استمرار هذا النظام مع تغييرات شكلية تحافظ علي جوهر النظام الذي يضمن تنفيذ سياساتها في المنطقة والتعاون الكامل معها، وفي الوقت نفسه تخشي ثورة الشعب السوداني الذي تستهدف التغيير الجذري للنظام والذي يتعارض مع مصالحها. ولايختلف مشروع الصادق المهدي في ورقته حول السلام كثيرا عن المشروع الأمريكي، فالصادق المهدي مع التغيير الناعم والشكلي للنظام، وليس التغيير الجذري واسقاط النظام.
ولكن مهما كان حجم المخطط الأمريكي ، الا أن تجارب الشعب اكدت أن ارداته لاغالب لها، وعوامل اسقاط النظام مازالت ماثلة ، وسوف تنتصر انتفاضته القادمة التي يتم فيها الاستفادة من تجارب الماضي، استعادة التحول الديمقراطي والسيادة الوطنية والسلام والتنمية المتوازنة وتحسين الأحوال المعيشية، واعادة توحيد الوطن مرة أخري علي اساس دولة المواطنة التي تسع الجميع.     
alsir osman [alsirbabo@yahoo.co.uk]

 

آراء