شكراً كرتي.. الصورة لم تكتمل!!
adil elbaz [elbaaz40@gmail.com]
رغم أن المتطرفين ألهبوا ظهره بالاتهامات وشنوا عليه حروباً شعواء، إلا أن ذلك لم يزلزل قدمه عن قول الحق وتبنى ما يعتقد انه فى مصلحة الوطن. ولم يأبه السيد علي كرتي وزير الخارجية كثيراً للمتربصين الذين عملوا ضده وحاولوا فى كل لحظة الايقاع به فى شرك المحاور المختلفة، كما لم يعر انتباهاً لآخرين شككوا فى أهليته لقيادة الدبلوماسية السودانية، فلما عجزوا عن اقناع القيادة العليا بالدولة برأيهم سعوا لجره لفتنة معها. ولم تنقص كرتي الشجاعة وهو يعبر عن موقفه تحت قبة البرلمان منتقداً تصريحات للرئيس البشير رأى أنها تضر بالسياسة الخارجية للدولة حسب تقديره وهو المسؤول الاول عنها. وقد كبر فى عينى كرتي ذلك اليوم، فكثير من المنافقين لا يجرأون حتى على إيماءة تخالف ما ذكر الرئيس. فإن يقوم وزير خارجية الدولة وعلنا بانتقاد تصريحات الرئيس، فتلك هي المواقف التى تبقى حين يفنى الرجال.
أمس الأول نشرت صحيفة «السوداني» على لسان كرتي تصريحات تستحق التوقف عندها، كان قد افاد بها لبرنامج «حتى تكتمل الصورة» الذى يقدمه صديقنا الطاهر حسن التوم في تلفزيون «النيل الأزرق» فصورة تلك التصريحات لم تكتمل ويا ليتها اكتملت بشجاعة كرتي لتطلع الصورة حلوة!!
قال وزير الخارجية: «هنالك خلافات داخل الحكومة حول التعاون مع إيران»، حسناً من الطبيعي أن يكون هناك خلاف داخل الحكومة حول السياسة الخارجية وتقديرات المواقف التى يتخذها صناعها، فليس فى الأمر عجب، ولكن الغريب أن يحدث خلاف لا على مواقف أو تقديرات ظرفية تمر بالسياسة الخارجية، وإنما يقع على استراتيجية الدولة حول التحالفات بالمنطقة، وأين تكمن مصلحتنا فى الالتحاق او عدم الالتحاق بتلك التحالفات. فهذه قرارات استراتيجية وليست شأناً سياسياً يومياً يسمح لأعضاء الحكومة بتحديده بأمزجتهم الخاصة فى كل موقف. وبالإمكان أن تدخل الحكومة فى تحالف مع إيران وروسيا وتبقى داخل ذلك التحالف، ويعنى ذلك أنها متباعدة مع المعسكر الامريكى والخليجى، أو أن تلتحق بالتحالف الامريكى فتبقى بعيدة عن محور إيران وروسيا وسوريا والعراق، وبإمكانها أيضاً أن تتخذ لنفسها خياراً ثالثاً وهو عدم الالتحاق بأي محور، وهو موقف يعنى بالضرورة أن تمتنع عن إلحاق الضرر بالتعامل مع أي من الطرفين لتحقيق مصالحه على حساب الطرف الآخر. وهذا حديث فى عمق الاستراتيجية، وليس بالإمكان العبث فى منطقة الاستراتيجية، إذ أن ذلك «يخربط» السياسة الخارجية تماما كما رأينا «الخربطة» على أصولها فى اعقاب قصف اليرموك، الحدث الذى كشف غياب الاتفاق حول الرؤية الاستراتيجية للدولة بين الحكومة وحزبها الحاكم وقيادتها التنفيذية، فمثلاً د. أمين حسن عمر بحسب تصريح لـ «الشرق الأوسط» أمس الأول، قال إن السودان خارج المحور الإيراني، وفى نفس الوقت يجادل آخرون فى ذات الحزب والحكومة بأن علاقتنا بإيران استراتيجية!!
وبقراءة تصريحات كرتي ندرك أنه يسعى لأن تبقى العلاقات الخارجية بعيدة عن المحاور للمصلحة القومية، ولكن آخرين داخل مؤسسات الدولة لا يقفون ذات موقفه لغياب الاتفاق حول الاستراتيجية الحاكمة والناظمة للعلاقات الدولية، والخطر الناتج عن عدم وجود اتفاق أن مؤسسات الدولة ذات الصلة بالملف الخارجى (الخارجية، الأمن الخارجى، القصر، آخرين «متشوبرين») ستعمل «كيفها» بمقتضى استراتيجية تضعها هي، وبذلك تتفكك الدولة وتصبح جزراً معزولة وهذا ما حدث. فمثلاً يقول كرتي عن وصول البوارج إلى ميناء بورتسودان: «إن الخارجية آخر من يعلم، وإنه علم بوصولها من أجهزة الإعلام». ويعني ذلك أن جهة «ما» رغم علمها بضرورة علم الخارجية بمثل تلك التحركات الايرانية فى المياه الاقليمية للبلاد، إلا أنها أخفت المعلومات عن الخارجية فاصبحت أطرش فى زفة البوارج!! والأخطر من ذلك قوله «كرتي» إن ايران تقدمت بطلب للحكومة السودانية للسماح لها بقدوم البوارج ولكنها اعتذرت!! فإذا كانت الحكومة قد اعتذرت عن استقبال البوراج فمن الذى سمح لها بالوصول إلى مياهنا الإقليمية والبقاء فيها أربعة أيام؟! فهل هناك جسم خارج الحكومة يقرر أم أن متنفذين داخل الحكومة على صلة بالمحور الإيراني أصبحوا قادرين على تمرير أجنداتهم رغم أنف الحكومة أو من وراء ظهرها؟! ويا ترى هل يقصد كرتي أن الحكومة اعتذرت فى تاريخ سابق عن زيارة البوارج ولكنها وافقت الآن بعد غضبة قصف مصنع اليرموك كما أُشيع؟! وهب ان هذا الافترض الاخير صحيح، فإن السؤال الذي يبقى قائماً هو: ما هى تلك الجهة التى رفضت السماح للبوارج فى المرة السابقة ومنحتها الإذن هذه المرة دون علم الخارجية وما مصلحتها فى ذلك.؟! وأخشى ما أخشاه فى ظل عدم وجود رؤية استراتيجية مجمع عليها بالدولة للسياسة الخارجية، أن يأتي يوم نجد فيه جزءاً فى الحكومة في المحور الامريكي وآخر فى المحور الايرانى وثالث بلا محور ورابع تمحور حول نفسه وانتحر من المغصة!!
٭ ملحوظة واعتذار:
نسجل هنا اعتذارنا للسيد صلاح كرار على ما جاء بشأنه في مقالنا «خداع الخبراء» الحلقة الاولى، بخصوص تصريحاته حول تقوية الدفاعات الجوية. فقد أفادني من أثق فيه بأن تصريحات الرجل لم تنشر مكتملة كما ينبغي، وإنما نشرت أجزاء منها مما أدى لعدم وضوح رؤيته.. لصلاح العتبى حتى يرضى، ولمراسل الوكالة اعتذارنا فقد ظل دائماً موضع إشادتنا بقلمه وجهوده بوصفه صحافياً مميزاً.