فتحي أمين وابنه: عندما يلتقي أمير الصنعة بأمير النغم (محمد وردي)
د. محمد بدوي مصطفى
7 April, 2013
7 April, 2013
mohamed@badawi.de
بشوش الطلعة هادئ الطبع جمّ التواضع سيد فتحي أمين أمير وابن أمير صناعة العود بالعالم العربي اتخذ فيصل مكانا له بالقاهرة ليصنع ويبدع في معمله المتواضع بشارع العشرين بفيصل. حدثني صديق ألماني محترف لآلة العود (رومان بونكا – عازف مع محمد منير) قبل بضع سنين عجاف أنه قدر أن يستحوذ على عود في غاية الروعة والجمال من صنع فتحي أمين وابنه سيد. لم يكن مني إلا أن طلبت منه رؤية هذه التحفة. حضر إليّ ليشاركني حفل مع الفرقة السمفونيّة بجنوب ألمانيا التي طلبت عزف بعض مقطوعاتي السودانية. تكرم وأعطاني العود الذي صنع من قبل الأب والابن معا، فتوسطت الأوركسترا السمفونية وأطلقت العنان للأنغام الساحرة وداعبت العود عازفا مقطوعتي مريوم والأندلس في إطار فعاليات عيد الثقافة بمدينة كونستانس الساحرة التي ترقد على بحيرتها كالهمزة على سطرها في الجنوب الألماني. لا يمكن أن أصف لكم يا سادتي مدى سلاسة الأنغام وحلاوة الأوتار وعذوبة الموازير وجمال السلم الموسيقي وسحر اللمس لآلة كحوريّة في كمال إلاهي كواحدة من حور الجنان الخالدة! توفي العام الماضي المعلم الكبير لكنه ترك ابنه الذي احترف الصناعة وصار يضارع الأب في إجادة الآلة. لا أتوانى أن أقصد شارع العشرين بحي فيصل الشعبي في كل زيارة للقاهرة؛ وذهبت هذه المرّة لمعمله والمعرض كما كنت أفعل من قبل. في كل مرّة أرى العجب العجاب فكل آلة أجمل من الأخرى وكل نغمة تنبثق من آلة تضاهيها الأخرى بسحر يفوقه. سرّ الصنعة يكمن في إتقان في اختيار الخشب القديم من الأخشاب التي يستوردها سيد فتحي خصيصا من أروبا سيما لوجه الآلة. ومن ثمة يستورد خشب الأبنوس من السودان لإتقان المفاتيح. وظهر العود يتفنن فيه ويبدعه بشرائح خشب الزان أو التيك أو الأبنوس. وأنا - وبكل تواضع - لي آلتان من الأبنوس الخالص صنعاها لي ووضعا على بطن إحداهما اسمي بالخط العربي البديع. لكن المدهش أن الفنان الراحل المقيم محمد وردي كان عندما يأتي إلى مصر يتصل على الأب الذي رحل هذه السنة أو الأبن طالبا احضار بعض الآلات إليه في مكان اقامته بالهوتيل. أخبرني سيد في غير لقاء أنه من أسوان وأن محمد وردي عندما يجرب الآلات يبدأ بدوزنتها بإتقان محكم ومن ثمة يطربنا بنغمات نوبية قريبة إلى قلوبنا. لم يكن يعلم سيد فتحي أمين أن تلك النغمات هي من تراث محمد وردي النوبي وبعض الألحان التي يغنيها الفنان محمد منير هي ألحان وردي أو ألحان سودانية بحتة. أصابته الدهشة عندما أعلمته بالأمر وأخبرته أن محمد منير ينتقي أجمل أغاني الحقيبة وأغاني وردي وللأسف لم يسأل وردي ولو مرّة في شأن استعارتها. ونحن نعلم أن الراحل وردي قد أقام دعوى عليه بصدد حقوق الملكية في أغانيه التي ملكت روح الشعب المصري.
لقد كرم الأب فتحي أمين في مهرجانات عظيمة لما قدمه من عمل متقن في تطوير آلة العود لا سيما بمهرجان العود بعمان كما كرم الابن سيد فتحي أمين في مهرجات داخل وخارج مصر وهو الآن علم من أعلام صناعة العود بالوطن العربي. نصير شمة ومحمد وردي وعبدالوهاب الدكالي (المغرب) ومحمد عبده كلهم ينعمون بآلات ساحرة دقيقة العلامات عند العزف وسهلة الاسترسال عند الغناء كما أن لها خاصية أخرى تعزى لاستعمال الأخشاب المعتقة ألا وهي استمرار دوزان الآلة لمدة طويلة من الوقت وقلة تأثرها بتذبذب درجات الحرارة.
سيد فتحي أمين علم من أعلام صناعة العود في الوطن العربي وينبغي علينا أن نكرمه ونكرم والده في ما قدما لنا من عمل خالد يحفظ التراث ويطوره. أهل لنا في هذين المبدعين من عبر؟