الشعبي … لو كانَ يَدْرِي مَا المُحاوَرَةُ اشْتَكَى. بقلم: منى عبد الفتاح
كيف لا
الدعوة التي وجههتها الحكومة السودانية لأحزاب المعارضة للمشاركة في الحوار لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة من نوعها ، فلطالما طرحت الحكومة مقترحات الحوار والتفاوض مع أحزاب المعارضة ، ولكن ظلت هذه الأحزاب بدلاً من إبداء رأيها بتفعيل الحوار أو رفضه ، تواصل مسلسل اندهاشها وعدم تصديق أنّ الحكومة تتنازل وتطلب منها الجلوس على مائدة الحوار. آخر عبارات عدم التصديق بفعل الفرح هي ما جاء على لسان نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور عبد الله حسن أحمد :"حالياً أصبح لدينا أمل في أن نتفاوض مع الحكومة" . وليس هذا فحسب وإنّما قدّم حزب المؤتمر الشعبي أوراق اعتماد محاورته مضافاً إليها ميزة تفضيلية يتفوق بها على بقية الأحزاب ، حيث رأى أنّها تتوفر لديه دون غيره من أحزاب المعارضة وذلك عندما أعلن الحزب من خلال نائب الأمين العام أنّه لا يمانع من الجلوس مع لامؤتمر الوطني دون وساطة باعتبار أنّهم يعرفون بعضهم البعض جيداً.
نظرياً ، تبدو هذه المعرفة منطقية ومقبولة على الأقل عند النظر في صحيفة السوابق الموحّدة التي جمعت الحزبين قبل أن ينشطرا وتحدث بينهما المفاصلة الشهيرة والتي جرّت بعدها أحداثاً جساماً . ولكن عملياً فالمؤتمر الشعبي لا يعرف المؤتمر الوطني بمقدار معرفة هذا الأخير به . وهذا لا ينمّ عن جهل وإنّما عن تتابع حالات الإغماء التي غشيت الحزب بتواتر الضربات المتوالية على رأسه والتي لم تمكّن المؤتمر الشعبي من الإفاقة والنظر حوله حتى يتسنى له رؤية موقعه الحقيقي ، وهل هو اللاعب الوحيد في الساحة السياسية والذي يقف في المنتصف دائماً أم هناك غيره يجيدون الرقص على الحبال .
بعد عقدين ونصف إلّا قليلاً استطاع حزب المؤتمر الشعبي أنّ يعترف بمعرفته أو تعرّفه على خليل الماضي ، عدوّ الأمس وصديق اليوم ، وهذه خطوة بمقياس إنجازات المعارضة تبدو متقدمة وإيجابية نوعاً ما ولا غبار عليها . بهذه المعرفة والإنجاز العظيم يريد المؤتمر الشعبي أن يعقد صفقة أخرى مع المواطن السوداني ، وهو عقد جديد خالٍ تماماً من محاسبة المسؤول عما وصل إليه حال السودان من تشظٍ وانقسام ، كما أنّه ليس فيه جرد حساب من أي نوع في دفتر أحوال المواطن المسكين ، ولكن فيه شيءٌ فريد توصل إليه الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي د. حسن عبد الله الترابي ألا وهو أهمية الاستفادة من التجارب السابقة في الحكم سواء الديمقراطي أو العسكري والتداول السلمي للسلطة بما يمنع تكرار الانقلابات العسكرية بالسودان !
هذه الأحزاب وعلى رأسها المؤتمر الشعبي جعلت من نفسها أصناماً يدور الحواريون حولها مؤمنين بفكرتها ، فحقيقة مؤسسيها وعرّابي فكرتها وأعضائها أنّهم بشر ، وككل البشر تهفو نفوسهم إلى الراحة ورغد العيش والرفاهية والترفّع عن الرقابة والمساءلة والملاحقة في الصغيرة والكبيرة . وإن كانت النفوس في طبيعتها الفطرية تتوق إلى التحرر من القيود ولكن في سموّ لا تخضع فيه لابتزاز أو تجيير الحقائق أو عرض المباديء وقيم النضال في سوق الكسب من أي نوع ، فإنّ الأحزاب المعارضة انخفضت بهذا التوق إلى التحرر، بأنّها باتت لا ترى عيباً إن اتفق مع تحقيقه كسبٌ آخر ، فهي ما فتئت تتعهد إلى الحكومة بمناسبة وبغير مناسبة بأنّها ما زالت ترعى رغباتها الشخصية مع شرط الإلتزام بالتواجد في مساحة ممنوحة تسمى هامش الحرية .
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]