“إنّ الفــنــاءَ منَ الـبَــقـاءِ قــريــبُ”
كيف لا
"سيجيء الموت وستكون له عيناك
هذا الموت الذي يرافقنا من الصباح إلى المساء
أرِقاً، أصمّ كحسرة عتيقة
أو رذيلة بلا جدوى".
تشيزاري بافيزي
حزن كل من عرف الدكتور كمال حنفي ، معرفة شخصية أو من خلال كتاباته وخربشاته حزناً عميقاً على رحيله الأليم . وقد كان كمال حنفي مثالاً للمؤمن الكامل الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن إذا حدث صدق ، وإذا وعد أنجز ، وإذا اؤتمن وفى " . ولا نزكيه على الله .
عرفت كمال حنفي عند محطتي الأولى في عالم الصحافة (الصحافي الدولي) ، ومعي مجموعة من الصحفيين تفرّقت بهم سبل الحياة الآن ولكننا ما زلنا نذكر كمال حنفي من بين كثيرين استطاعوا أن يعينوننا على بدايات ومشقة مهنة البحث عن المتاعب ، بينما زارد هو بوضع بصمات واضحة على مسيرة كل من عمل معه .
أستميح الزميل الخاتم محمد المهدي الإعلامي القدير والمميز بقناة (الحرة) ، فهو قد نجح في رسم صورة مطابقة لحقيقة د. كمال حنفي ، وليست متخيلة . استجلب فيها تأملات من قاع الذاكرة لتحكي في تأملات الطبيب الصحفي ، ولم تسمح تصاريف القدر بأن يعيرها نظرة ثم يدير ظهره إلى الفانية كلها .
كتب الخاتم على صفحته في الفيسبوك ناعياً أستاذنا د. كمال حنفي :"شقّ علي نعي النفس المطمئنة د. كمال حنفي، وأوجعني رحيله شد ما يوجع الفقد، ولاحيلة لنا إلا ما يرضي الله: إنا لله وإنا إليه راجعون.
في الحديث: "أذكروا محاسن موتاكم"، ولا عليكم بمن ضعّفه أو استغربه ، فما د. كمال إلا محاسناً في دثر محاسن بغير نواقص.. لا تجد فيه مطعناً ولا تطاوعك الأمارة بالسوء أن تظفر فيه بدنس، ولو على طرف ثوبه.. ملؤه خير، وينضح خيراً، وما سعى إلا بالخير بين الناس وإلى خيرهم، وهو بينهم خيار من خيار.. ما عهدته إلا هادئاً مبتسماً مطمئناً.. كأنه كان يعلم أنه في خير وإلى خير من مبتداه وإلى مرقده.. وبينهما كان آسياً يطبب ما بطن من ألم الناس وما ظهر.. وقلمه الذي اعتمد لم يذكر الناس إلا بالخير وفي الخير كان يكتب ".
أحبه قراؤه وداوموا على عموده خفيف الظل " إلا قليلاً" ، فقد كان ماهراً في لغة الواقع الصحفي وإيحاءات الكتابة الفكرية ، حتى عندما يتخصص في الكتابة عن الطب والصحة تخرج حروفه في صياغة أقرب ما تكون للذهن والقلب. وفي خربشاته ترك سلسلة من الأسئلة الشائكة ، التي تعطي إشارة لا تقتنع بما هو مبذول من أنصاف التأويلات والإجابات . كان يسميها تواضعاً خربشات ، ولكنه كان يلخص فيها عصارة تجربته، فقد كان من ضمن القلائل من الكتاب الذين يرون ما لا تراه العين المجردة ، يلعب باللغة والكلمات ويصوّر المفردات بنسيج المَشاهد المتعددة التي يود معالجتها . وفي كتابته لا يدعي وإنما يشرك القاريء فيلقي إليه بطرف الخيط ليضع الحل بيديه بكل دلالاته السياسية والاجتماعية والنفسية .
عندما زرته بُعيد العملية التي أجريت له بمركز القلب بأركويت، قبل حوالي عقد من الزمان وجدته كالعادة مزهواً بانتصاره على تلك "الوخزات" - كما أسماها- واستطاع بعدها مباشرة أن يحوّل الألم ويوظف النبضات المعاد تنظيمها لإنجاز ما بدأه، مواصلاً بنفس الحس العالي ومحافظاً على هدوئه واتزانه وصوته الخافت حتى ساعة رحيله.
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]