بلغت أزمة السودان ذروتها ولا بد من حل عاجل!!

 


 

 




الأحداث التي شهدها السودان مؤخراً تنبئ بأن أزمة السودان بلغت مداها وأن المعالجات الجزئية الراهنة قد دخلت طريقا مسدوداً لا يجدي معه التجاهل أو إرسال أي رسائل مطمئنة، فكلما حدث انفراح مؤقت نتيجة لمعالجات جزئية انفجرت بؤرة من بؤر الصراع الكامن لتنسف كل مجهود بذل فنعود إلى مربع الصراع الأول بطريقة أكثر حدة تفرز أزمات جديدة في ثغور لم نكن نتحسب لها؛ لأننا نصر على أن نتجاهل شمولية الأزمة ونبحث عن المسكنات الوقتية.

لقد اسبشرنا خيراً باتفاقات بين الشمال والجنوب لتنفيذ اتفاقيات سبتمبر الماضي التي تعثر تنفيذها ستة أشهر ثم بعد طول تردد أقدم الطرفان على تنفيذها بصورة جيدة، فإذا الأزمة تتجدد إثر مقتل كبير سلاطين الدينكا في بؤرة الصراع الكامنة في أبيي، ثم يتجدد تبادل الاتهام بين الطرفين حول استمرار ممارسات الحرب بالوكالة وكل طرف يتهم الطرف الآخر بمساعدة متمرديه. وقد سيطرت الاتهامات المتبادلة على أجواء لقاء اللجنة الأمنية المشتركة التي انعقدت بعد هذه الأحداث، بل إن الجنوب أعلن أنه تقدم بشكوى لمجلس الأمن يحمل السودان مسؤولية مقتل كبير سلاطين الدينكا بأبيي والتداعيات التي قد تترتب عليه.
واستبشر كثيرون ببدء المفاوضات المباشرة بين قطاع الشمال والحكومة السودانية رغم أن المفاوضات في جولتها الأولى وصلت إلى طريق مسدود ولكن مجرد بداية الحوار المباشر اعتبرت مؤشراً على إمكانية تواصل الحوار لإزالة العقبات ولكن فجأه شنت قوات قطاع الشمال وحلفاؤها هجوما على منطقة أم روابة الآمنة في شمال كردفان التي لم تكن في مرحلة من المراحل جزءا من ساحات الصراع المسلح فخلفت المعارك ضحايا جدداً وروعت المدنيين الآمنين وأدت إلى حركة لجوء ونزوح جديدة لعشرات الآلاف من البشر، وما زالت تداعياتها مستمرة وتنذر بالمزيد من المعارك وسفك الدماء وتبديد أي أمل في سلام عاجل.
وتكتمل الصورة بصراع دموي جديد طال أصدقاء الأمس أعداء اليوم في حركة العدل والمساواة وأدى إلى مقتل قائد الجناح المنشق من الحركة والذي وقع بالأمس على اتفاق الدوحة في العاصمة القطرية وكان في طريقه إلى مقر قواته بدارفور لإكمال مهمة إلحاقها بالسلطة الإقليمية وقتل معه أفراد قياديون آخرون واعتقل كثيرون كانوا في قافلته لا يعرف أحد حتى اليوم مصيرهم فكانت الواقعة أخطر تطور دموي للصراع الداخلي في الإقليم، وقد يفتح الباب لصراعات خطيرة بين الحركات الحاملة للسلاح ويطلق موجة من القتل على الهوية السياسية والأخذ بالثأر في إقليم ظل على مدى عقد من الزمان يدفع ثمنا غاليا من دماء أبنائه.

ليست هذه أحداثا متفرقة بل هي أجزاء من صورة واحدة قاتمة وينبغي أن ننظر إليها جميعها على أنها أعراض لمرض واحد يحتاج لعلاج شامل يتجه مباشرة إلى أسباب الأزمة الجذرية وهي أزمة السودان الشاملة التي ظللنا ننادي منذ أيام مفاوضات نيفاشا بضرورة التصدي لها وعدم الاعتماد على الحلول الجزئية. وقد أثبتت نتائج اتفاقية نيفاشا خطورة تجزئة القضية ولا بد أن نتعلم من درس انفصال الجنوب، والحل يكمن في تغيير شامل ومشروع وطني جديد.

قضية جنوب السودان بدأت فجر الاستقلال بنفس الصورة التي انفجرت بها قضية دارفور لاحقا وقضية الولايتين تسير على نفس الدرب وما لم نصل إلى إعادة ترتيب الدولة السودانية في نظام حكم ديمقراطي يستوعب كل التطلعات المشروعة لأهل الهامش في المشاركة في السلطة والثروة والخدمات ومشاركتهم الفاعلة في صناعة القرار الوطني وحكمهم الذاتي لمناطقهم على أساس من العدل والإنصاف والتنمية المستدامة المتوازنة، ما لم يتحقق ذلك كله عبر حوار وطني جاد وشامل فلن يستقر حال الوطن وستظل مهددات الحروب الأهلية وتشظي الوطن قائمة، ومن المؤسف أننا ما زلنا نسمع أصواتا وأفكاراً ودعاوى لحسم الصراعات السياسية عن طريق العنف والقوة العسكرية سواء كانت عسكرية التمرد أو عسكرية السلطة. هذا نهج لا يقود إلا لاستدامة الحروب ومهددات التشظي والانقسام، وما درس الجنوب ببعيد فقد قادت تلك السياسات ليس للانفصال فحسب بل إلى التهديد بالعودة إلى الحرب.

وما زال المشروع الوطني الذي يقوم على رؤية مبدعة وخلاقة وآمنة ما زال غائبا عن الساحة، وفي غيبته ستتواصل الحروب الأهلية وتتراكم الظلامات والمرارات التي توهن النسيج الاجتماعي وتجعل الانهيار خيارا واردا ومهددا خطيراً. لقد آن أوان التغيير لو كان في القوم رجل رشيد!!

محجوب محمد صالح
mahgoubsalih@maktoob.com
العرب
//////////

 

آراء