بيع الهواء في قوارير

 


 

 


كيف لا

* شخصيات عامة كثيرة تتزاحم سيرتها على الإعلام لدرجة تضطرك إلى التشدد في السؤال عن دورها الحقيقي في الشأن العام . فهنا مسؤول يتحدث باسم الشعب وهناك وزير يشتكي من ظلم ذوي القربى. أسئلة كثيرة تحتاج الإجابة عليها إلى تأويل يمكّن المتابع من رؤية الأشياء كما هي لا كما يريد  كثير من أصحاب المناصب الذين لا نعرف أدوارهم الحقيقية ، ولو كنا ندري تماماً أنهم يؤدون أدواراً تمثيلية تم العهد إليهم بها حتى تكتمل الصورة والتشكيلة المعينة.
وهذا النموذج موجود في كل زمان ومكان ، ولكن الكاتب المصري  وحيد الطويلة أعطاهم تشبيهاً محلياً شعبياً هو فرقة حسب الله  الشهيرة . وليوضح لماذا أسبغ عليهم هذا التشبيه كتب أنّ فرقة حسب الله هي القاسم المشترك في الأفراح الشعبية وهو ما تكشفه الأفلام المصرية القديمة. وكانت قيمة أهل العريس تقاس بعدد أعضاء الفرقة، وكلما كثر العدد كان ذلك مدعاة للفخر والنسب والحسب، ولما كان العازفون الحقيقون في الفرقة لا يتجاوزون أصابع اليدين، في أفضل الأحوال، فإن المتعهد كان يلجأ إلى حيلة بارعة ، إذ كان يذهب إلى المقاهي لينتقي منها العاطلين عن العمل ، يقدم لهم الملابس المعدة لأعضاء الفرقة وكذلك يقدم لهم الآلآت الموسيقية، ويدخلون في الفرقة ويقومون بتمثيل أدوارهم، يمسكون على الأغلب الآت النفخ والطبل ويرتدون ملابس ملونة مقاساتها غير مناسبة لأجسامهم ، لا يعزفون شيئاً ولا يقدمون نغمة لكن دورهم أصبح أساسياً ومعترفاً به، لكن الناس كانوا يعرفونهم، ويقولون فلان لابس مزيكا، ليس موسيقياً، لكنه فقط يرتدي ملابسها. ترى على كم من شخصياتنا العامة خاصة التنفيذيين والمسؤولين في مراكز صنع القرار ينطبق هذا التشبيه ممن لا يقومون بأدوارٍ حقيقية وإنما فقط لابسين مزيكا.
***
* كنت أؤمن إيماناً منقطع النظير بأنّه لا أحد يستطيع التفوق على جهابذة الاستثمار وفق العقيدة الإنقاذية التي تسمح لفئاتها بالاستثمار في كل شيء لمصلحتهم الخاصة ، حتى ولو كان ذاك النوع من الاستثمار على شاكلة بيع الهواء في  قوارير . وإيمان أهل الإنقاذ بهذا النوع من الاستثمار تجاوز الاستثمار الدنيوي إلى الاستثمار الآخروي الذي تمثل في الزج بالشباب المؤمنين في أتون الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان، والتي بلغت ذروتها في عهد الإنقاذ حتى أدت إلى انفصال جنوب السودان عن شماله . دفع أولئك حياتهم بمقابل معلوم تم تحديده لهم مقدمّاً وذلك بالظفر بالحور العين ، للدرجة التي تم فيها عقد زيجات باحتفالات حقيقية رأينا فيها الحريرة والضريرة على أيادي ورؤوس أمهات الشهداء الثكالى وجريد النخل يتعالى بتلويحات من آبائهم المكلومين.
كنت أعتقد أنّ تلك استثمارات إنقاذية صرفة ، حتى قرأت عن أمريكي تفوق بعبقريته الفذة على كل مستثمر. وكان أري مانديل الذي يبلغ من العمر 31 عاماً من مدينة نيوجرسي ويدين باليهودية قد قام بعرض مكانه في الجنة للبيع في مزاد على موقع اي باي على الإنترنت .  ولكن الموقع  الإلكتروني قام بإزالة المزاد الذي انطلق  بـ99 سنتاً  ووصل  إلى مبلغ 100 ألف دولار ، وذلك بإبلاغ مانديل أنّ الأغراض  غير الملموسة لا يمكن عرضها للبيع. وذكر أري مانديل أنّه ابتعد عن الخطايا عبر القيام بأعمال جيدة وعدم عبادة آلهة مزورة واتباع نظام غذائي نباتي.كما وعد بأنه سيستمر في اتباع حياة جيدة لضمان بقاء مكانه في الجنة متوفراً لمن يشتريه منه لاحقاً .
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]

 

آراء