أشجان الوحدويين
منى عبد الفتاح
8 June, 2013
8 June, 2013
كيف لا
في الظروف الدقيقة كالتي تمر بها البلاد في هذه الآونة يبدو الإعلان والاحتفال بجمعية الأخوة السودانية (الشمالية والجنوبية) وكأنه تغريد خارج السرب . فلطالما غالب الوحدويون أشجانهم ودموعهم منذ إعلان نتائج الاستفتاء على انفصال الجنوب في يناير 2011م ، دون أن تتغير وسائل المواجهة الحامية مع الإنفصاليين الذين هللوا لهذا الحدث الجلل . ولكن وبشكل أكبر من التسليم بذلك الحدث الذي أصبح أمراً واقعاً ، تم تكوين جمعية الأخوة السودانية في يناير 2012م بعد تصديقها من مجلس الصداقة الشعبية العالمية .
وقبل الانفصال كان قد تم تكوين المنظمة السودانية لدعم الوحدة الوطنية بعد أن بات الانفصال غاب قوسين من أو أدنى من تحقيقه . وكانت الفكرة من تلك المنظمة هي "احتمالات الوصول إلى تسوية تاريخية تتأسس على ضوئها وحدة السودان أرضاً وشعباً عبر إستفتاء تقرير المصير ، والعمل من أجل وحدة تقوم على أسس جديدة تحترم تعددية أهل السودان وتنطلق منها إلى نظام حكم قائم على العدل والإنصاف والمساواة التامة في الحقوق والواجبات ، وسيادة حكم القانون والحكم الراشد وحماية كافة حقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة " . وكان أمل المنظمة أن يكون الانفصال مجرد ترتيبات دستورية تنشئ دولتين في وطن واحد حكم عليه التاريخ والجغرافية والعيش المشترك لعقود طويلة أن يكون مايجمع بين أهله أكثر مما يفرق رغم ما شاب هذه العلاقة من توتر من آن لآخر .
ذهبت المنظمة أدراج الانفصال وجاءت جمعية الأخوة ، وراهنت على أنّها ستعمل في ظروف التوتر هذه حتى يسود العلاقة الثنائية بين البلدين السلام والمحبة وحسن الجوار . كل ذلك جميل نظرياً ولكن الأفكار الحالمة لا تصمد في واقع مليء بالمشاكل والصعوبات والعوائق التي تحول دون بقاء السودان جزءاً من الوطن ، فكيف بعد أن صار الجنوب إلى دولة لها مشاكلها الداخلية وبقي السودان على حاله يبكي على النفط المسكوب .
يذكّر هذا الأمر في وحدة السودان وانفصاله بانقسام الشعب إلى وحدويين وانفصاليين ، بما يحدث في اليمن السعيد هذه الأيام . فقد انقسم اليمنيون إلى قسمين ، قسم احتفي بالذكرى 23 للوحدة في 21 مايو الماضي وهي الوحدة بين اليمنين التي حدثت في 21 مايو 1990م . أما القسم الآخر فيشبهون إلى حد ما إنفصاليينا في إصرارهم على الاحتفال بالذكرى التاسعة عشر لفك ارتباط بعض المحافظات الجنوبية عن الجمهورية اليمنية والذي أعلنه علي سالم البيض في 21 مايو 1994م .
هذه الجمعية الوليدة على رأسها عميد الصحفيين الأستاذ محجوب محمد صالح ، الرجل الرزين والهاديء ، مؤمن ومقتنع - حسب ما جاء في بيان الجمعية - بأن العمل الشعبي المتواصل والدؤوب والواعي يمكن أن يخلق الوحدة الشعبية ويوفر بيئة صحية وقوة ضغط عالية تمكّن الطرفين من تجاوز أي خلافات حالية أو يمكن أن تنشأ في المستقبل . وبرغم مقدرات القائمين على أمر الجمعية لكن هناك تساؤل حول جدوى العمل الشعبي والحشد لهذا التآخي ، وبشكل أكثر وضوحاً فهل يجوز أن نراهن على الإرادة الشعبية لشعب مسلوبة إرادته . فلو كانت إرادة الشعب السوداني تصنع هذا المستحيل أي إمكانية ضم شطري البلد من جديد لما عانت أقاليم أخرى يهددها خطر التشرذم والإنقسام بدرجة تنذر إلى أنّه يمكن أن يكون مصيرها ذات مصير جنوب السودان الذي أضعناه ونبحث اليوم عن السلام معه و حسن مآخاته .
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]