المعارضة .. فوق وتحت الأرض

 


 

 


كيف لا

الوضع والتطور الطبيعي للكيانات السياسية أنّها تمر بمراحل تطور طبيعية منذ بذر الفكرة الأولى التي تقوم بتبنيها مجموعة معينة . تعمل هذه المجموعة على جذب واستقطاب المؤيدين لهذه الفكرة ومن ثمّ الولاء للكيان المعيّن. وبعد حصولها على الشرعية المطلوبة تشمّر عن ساعد الجد لممارسة العمل السياسي وفقاً لمبادئها وما جاء في صحيفة تأسيسها الأولى والذي يتوافق بالضرورة مع تطلعات المواطنين للحرية والديمقراطية . ولكن يبدو أنّ أحزابنا السياسية  بعد أن أكملت دورتها الطبيعية في الحياة السياسية رجعت إلى نقطة البداية مثلما يرجع الشيخ الهرِم إلى مرحلة الطفولة بعد الخرف ويتصرف تصرفات الأطفال ويسأل أسئلة إجاباتها ومعلوماتها من المفترض أن تتوفر عنده بالبداهة ، ثم لا يلبث أن يصل إلى مرحلة تكوين أسنانه اللبنية من جديد بعد تساقط أسنانه العادية بفعل الزمن.
هذه الخواطر أو الهواجس أثارها لدي إعلان تحالف قوى الإجماع الوطني بإمكانية اللجوء إلى العمل السري في حال رفضت الأجهزة الرسمية السماح له بتنفيذ خطة ال(100) يوم من أجل إسقاط النظام . ولنا أن نتمعن في شكل الإعلان ومعقوليته وهو أنّ تحالف قوى الإجماع الوطني سيذهب إلى الشرطة ويقوم بتقديم طلب لإقامة ندوة في ميدان المولد ، ومرفق في هذا الطلب ، الإعلان الصريح بإسقاط النظام .
بالطبع أنّ هذه الخطوة ليس فيها رائحة وطنية ولا نضال وإنّما هي خطوة متخاذلة ، خذلت الشعب السوداني أولاً لأنه عوّل على هذه القوى المعارضة واعتمد عليها في إسقاط النظام ، ثم خذل بها  التحالف نفسه لأنّه تنكّر لمبادئه وشعاراته بإسقاط النظام وذلك بالعزم على هذه الخطوة الانتحارية . والجزم على أنّها خطوة انتحارية يأتي من أنها تتضمن احتمالين لا ثالث لهما . الاحتمال الأول هو أن تقوم الشرطة وقوى الأمن باعتقال من جاءوا بمذكرة الإعلان الراغب في إسقاط النظام . والاحتمال الثاني هو أن ترفض الشرطة لهذا التحالف السماح بإقامة أي فعالية من شأنها أن تؤدي لإسقاط النظام ليس خوفاً ، وإنما استخفافاً بهذا النوع من الطلب بالسماح. وفي حالة الاحتمال الأول فإنّه سيتم إعدام كل قوى المعارضة ورموزها ، وفي حالة الاحتمال الثاني فإنّ قوى المعارضة هددت بأنها ستلجأ للعمل من تحت الأرض .  وفي الحالتين ستختفي قوى تحالف المعارضة من على سطح الأرض وتصبح طي النسيان ، ليُبعث الشعب السوداني من جديد ويبحث عن طريقة أخرى وأجدى لخلاصه .
لم تستفد الأحزاب التاريخية العريقة من تاريخها لتبني قاعدة جماهيرية جديدة وذلك لأنّها لا تعير أي اهتمام بتغير بنية المجتمع والتعامل وفقاً لتطوره ، كما أنّ الأحزاب الحديثة أخذت المجتمع بحاضره فقط ولم تكلّف نفسها بسبر غوره ومعالجة تعقيدات بنية المجتمع السوداني بتعدد انتماءاته وتكويناته . والسؤال الذي يمكن أن يطلقه محمد أحمد الغلبان : ماذا فعلت قوى المعارضة وهي فوق الأرض ، لتعود لإنجازه من تحتها . وماذا فعلت أوان قوتها لتفعله أيام ضعفها هذه؟
ليس من إجابة حاضرة حتى في ذهن قوى المعارضة ، ولكأنّي أرى قصيدة الشاعر العراقي الراحل معروف الرصافي ماثلة هنا ، وقد نعى فيها أمته قبل وفاته عام 1945م ، وما زال النعي يتجدد عند كل نكبة ، وما أكثر النكبات وما أشكلها علينا.
وعاشوا سادة في كل أرض وعشنا في مواطننا عبيدا
إذا ما الجهل خيّم في بلاد رأيت أسودها مُسِخَت قرودا
(عن صحيفة الخرطوم)

moaney [moaney15@yahoo.com]

 

آراء