أسطورة الملك ميداس وتراجيكوميديا يوم الأحد 4 أغسطس 2013 ؟

 


 

ثروت قاسم
13 August, 2013

 




الحلقة الأولى ( 1 -2 )
ثروت قاسم
Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com




1    – أسطورة الملك ميداس ؟

تحكي الأسطورة الإغريقية عن الملك ميداس ملك فيريجيا القديمة ( تركيا ) الذي عاش في القرن الثامن ق.م. كان ميداس من الإنانية والجشع  أن طلب من الالهة أن تعطيه كل ذهب العالم ، وتحرم الآخرين منه  . أستجابت الالهة لطلبه وأعطته   اللمسة الذهبية.

صار  ميداس يلمس سريره وملابسه وحاجيات غرفة نومه ، فيتحول  كل ما يلمسه  ذهبًا . نزل إلى حديقة  قصره وصار يلمس الأشجار والشجيرات، فتحولت الحديقة كلها إلى ذهب خالص. لمس ميداس الأميرة أبنته ، فتحولت إلى كتلة ذهبية صماء .

جلس  ميداس على مائدة الطعام  وأمسك برغيف الخبز فصار ذهبًا . أمسك بكوب الماء فتحول بما يحتويه من ماء  إلى ذهب.  لم يستطع  ميداس  أن يأكل ولا أن يشرب.

طفق ميداس يصرخ  ويهزي ،  مستغيثاً بالآلهة :

ماذا أفعل ؟  إني جائع ! إني عطشان  ! لا أستطيع أن آكل أو أشرب ذهباً ! أنا حأمووووت ؟
تلبست ميداس لعنة اللمسة الذهبية ، حتى مات بين كتل الذهب الصماء ؟

حكومة الخرطوم تحاكي ميداس ولمسته الذهبية ؛  فقط  لمسة حكومة الخرطوم أزماتية . كل ما تلمسه حكومة الخرطوم يتحول  ، بقدرة قادر ، إلى أزمة . تمسك حكومة الخرطوم بالحبة ، فتتحول إلى قبة أزمات ؟  تقبض الريح ، فتتحول إلى كتلة مشاكل ؟  تهبش حكومة الخرطوم دارفور ، فتتحول إلى أمر قبض دولي ؟

تقوم حكومة الخرطوم من مشكلة ، لتقع في أزمة ، لتتدحرج إلى محنة ، لتغرق في كارثة  ... والكل من  صنع أياديها ولمستها الأزماتية .

الآية 30 في سورة الشورى ، تعلل لنا هذا الموقف :

( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ ، فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ...) .


حتى  أمطار وسيول  عيد الفطر الأخيرة ليست السبب المباشر في موت العشرات وتشريد الآلاف ؛  فالأمطار والسيول تزور بلاد الله 24 على 7 دون كوارث كما حدث في بلاد السودان . وإنما السبب اللمسة العجيبة التي أحالت المصارف والمجاري إلى مقالب قمامة ، فتعذر تصريف الأمطار والسيول ، فحدثت الكارثة . إذن المصيبة من عند أنفسكم ؟

وتؤكد هذا الموقف  الآية 165 في سورة ال عمران :

(  أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ ،  قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا ؛  قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ )  .

قالت لولا الحبشية :

سحورك يا حكومة الخرطوم ؟  أصبحتي ضحية ( اللمسة الشيطانية ) ؟

بفضل  لعنة ( اللمسة الشيطانية ) ، حدث الآتي من بين أزمات أخرى قدر الضربة :

+ تحولت العلاقة الكسبية بين دولتي السودان إلى علاقة صفرية . حالياَ قرار مجلس الأمن 2046  ( مايو 2011 ) يتحكم في علاقة السودان مع دولة جنوب السودان ، وربما تحولت مصفوفة مارس 2013 إلى كتلة أزماتية ؟

قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ !

+ يتحكم قرار مجلس الأمن 2046  ( مايو 2011 ) في العلاقة بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية الشمالية ، وصارت السيادة الوطنية على التراب الوطني نسياً منسياً .

أكثر من مليون نازح ولاجئ في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ، يموت منهم المئات كل يوم . تتعدد الأسباب والموت واحد ... من لدغات العقارب والأفاعي إلى القنابل العويرة ؟

قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ !


+ تتحكم إتفاقية الدوحة ( يوليو 2011 )  وقوات اليوناميد  الأممية في  حفظ سلام غير موجود في دارفور . لا تزال الحرائق ملتهبة في دارفور  ، وما يحدث حالياً بين الرزيقات والمعاليا في ولاية شرق دارفور ماهو إلا صدى لهذه الحرائق ؟ يقوم المجتمع الدولي بإغاثة أكثر من ثلاثة مليون لاجئ ونازح دارفوري ، وما يتبع ذلك من تدخل سافر في سيادة الدولة السودانية  وكرامتها المهدرة .

بفضل لعنة ( اللمسة الشيطانية ) وقعت بلاد السودان  تحت وصاية دولية ، بموجب (47) قرار لمجلس الأمن تحت الفصل السابع ، ووجود (30) ألف جندي أجنبي داخل البلاد .

كما قادت لعنة ( اللمسة الشيطانية ) إلى ملاحقة رأس الدولة دولياً ، وما يجلبه ذلك من أهدار للكرامة السودانية .

قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ !


+  طالت لعنة ( اللمسة الشيطانية )  العلاقة مع أخت بلادي الشقيقة مصر حيث  إتهمت الوسائط الإعلامية الرسمية في مصر حكومة الخرطوم  بتمويل الأخوان  ( الإرهابيين ؟ ) في مصر ( 2 مليون دولار ) ، وبتهريب أسلحة ثقيلة إليهم    في ميداني رابعة العدوية والنهضة ، حيث بدأوا  ، حسب الوسائط الإعلامية الرسمية  المصرية ، في  تخصيب اليورانيم وتكديس أسلحة الدمار الشامل للهجوم على قوات الشعب المسلحة  وشرطته ؟ شيطنة مصرية لنظام الحكم في السودان ذا المرجعية الإسلامية ، وهذا أول الغيث ؟

قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ !

+  وتستولد لعنة ( اللمسة الشيطانية )   تراجيكوميديا الأحد 4 أغسطس 2013  ، لتخلق من  (  زيرو مشكلة )   مشكلة قدر الضربة  ، تمس الكرامة والسيادة الوطنية  ؟ سوف تتحكم تراجيكوميديا الأحد 4 أغسطس 2013   في ضبط علاقة السودان المستقبلية مع إيران والدول الخليجية ، وإلا فالعصى لمن عصى ؟

قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ !


صارت مصالح السودان الحيوية في مهب ريح لعنة ( اللمسة الشيطانية )   ؟  حولت لعنة ( اللمسة الشيطانية )    تحالفات السودان الخارجية ( وبالأخص مع إيران وحماس ) إلى مصدر  تنغيص لحياة الشعب السوداني وكرامته  ، جراء ضربات أسرائيل المتكررة ( في الضلمة والنور طافي )   في قعر عاصمة الدولة ، وإستولدت ترجيكوميديا يوم الأحد 4 أغسطس 2013 ؟

صار السودان دولة بلا قرار وطني ، بل تصوب  بوصلته السياسية قوى خارجية  ... من إدارة أوباما  ومجلس الأمن إلى أيران والدول الخليجية  مروراً بمصر وحماس ؟

قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ !


توقفت الأزمة  في السودان عن كونها أزمة سودانية وأصبحت  ملفاً  دولياً  عنوانه ( المسألة السودانية  ) وبعدها  ، وبفضل لعنة ( اللمسة الشيطانية )  يقع السودان في منطوق الأية 133 في سورة الأعراف :
(  فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ) .
كيتن في المرقوت وعشان تاني ؟؟

قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ !

هل تلحق حكومة الخرطوم بالملك ميداس الذي توفاه الله  وهو جوعان وعطشان بين كتل الذهب الصماء ، فتغادر وسط أزماتها ومحنها ومصائبها  التي إفتعلتها بيديها ، وبسياساتها  الخرقاء  وتحالفاتها العوراء التي أوقعتها  مؤخراً في ترجيكوميديا يوم الأحد 4 أغسطس 2013 ؟

قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ !

في هذا السياق ، يحسن  بحكومة الخرطوم  تدبر الآيات 42 و43 و44 في سورة يونس :

ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون .  ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون . إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون .


2    -   تراجيكوميديا يوم الأحد  4 أغسطس 2013 ؟

كثرت التصريحات والتصريحات المضادة عن ملابسات منع الهيئة العامة للطيران المدني في جدة الطائرة التي تقل الرئيس البشير من عبور الأجواء السعودية في طريقها إلى إيران يوم الأحد  4 أغسطس 2013 .

عدة ملاحظات تستدعي التوقف  والتدبر في هذه التراجيكوميديا  السودانية ، نختزل  بعضاَ منها  في عشر نقاط أدناه :

أولاً :

الجهات المتعاملة مع تداعيات الحدث في السودان تمثل قمة الهرم السياسي : المجلس التشريعي  القومي ، مؤسسة رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية في مقابل هيئة الطيران المدني في جدة .

هذه قسمة ضيزى ... وصفعة للكرامة والسيادة الوطنية ؟

قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ !


ثانياً :

مثير للتعجب الصمت القبوري الذي تعاملت به الدوائر السياسية في المملكة مع تداعيات الحدث ؟ لم تتكلف عناء إعتذار تلفوني ( أو شرح للموقف ) من وزير الخارجية السعودي لنظيره السوداني ، الذي أخطر برج المراقبة في جدة قبل نصف ساعة من دخول الطائرة المجال الجوي السعودي بأن الطائرة تحمل الرئيس البشير .
ومن التطنيش ما قتل ؟

قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ !

ثالثاً :

حتى لو لم يتبع  هواة حكومة الخرطوم الأجراءات الفنية الروتينية ، فأن وجود رأس الدولة  داخل الطائرة لكفيل ( في الحالات العادية )  بتجاوز المملكة  لأي قصور فني أو أداري من هواة الخرطوم .

ولكن لم تكن هذه حالة عادية ؟

المتابع لكيمياء وتركيبة وطريقة عمل النظام الحاكم فى السعودية ، يفهم  أن حادث إعادة الطائرة لا يمكن أن يكون مسالة فنية  أو إجرائية بحتة .  ولا شك أنه يحمل رسالة سياسية لحكومة الحرطوم  .  لابد  أن تكون هنالك اسباب ودوافع سياسية وراء منع الطائرة  من عبور الأجواء السعودية  .

فورب السماء والأرض إن هذا الأمر  لسياسي  مثل ما أنكم تنطقون !

رابعاً :

أجمع المراقبون على أن السعودية قد نجحت في تمرير إشارة للسودان مفادها أن الرئيس البشير مرحب به في بلده الثاني السعودية للحج  ، أو العمرة ، أو الزيارات الخاصة  وللعلاج ، أو عبور الأجواء السعودية إلى أي بلد في هذه الدنيا بإستثناء إيران . والأهم أن على السودان أن يراجع علاقته مع إيران ، بما لا يمس الأمن القومي الخليجي ، وإلا فسوف تتكرر حادثة الأحد 4 أغسطس ، وربما ماهو أسوأ منها .

تؤمن الرياض  بأن الخرطوم أصبحت أداة لتحقيق الأجندة الإيرانية المصادمة  لدول الخليج ؟
ولذلك  ...   كل شيء ولا إيران ؟

وقد فهم الجماعة في الخرطوم  الكلام .

سادساً :

هذا أمر له ما بعده من تداعيات  سلبية بين الدولتين ، ولن يقف الترتار عند هذه النقطة ، إلا إذا غيّر السودان مواقفه من إيران ؛  ولكن هذا أمر لن يحدث ،  حتى يلج الجمل في سم الخياط ، ولإعتبارات كثيرة.
لم تتم كتابة النقطة الأخيرة على السطر في هذا الفيلم الهندي ؟ 

سابعاً :

ثبتت العشوائية السودانية في الإعداد لرحلة هذه الطائرة ، حسب بيان هيئة الطيران المدني في جدة ، وتأكيد السفير السوداني في الرياض  للتفاصيل المُجرمة للجانب السوداني  التي أحتواها البيان  ، وطلبه من محاوره  الصحفي السعودي  أن يسأل رئاسة الجمهورية في الخرطوم للرد على تساؤله :

لماذا تم إستئجار  طائرة  خاصة بدلاً من طائرات الرئاسة  ؟

وكانه لا يمثل هذه الرئاسة في المملكة .

هذه التراجيكوميديا  بحلقاتها  العبثية تؤكد الإنهيار  الكامل للدولة  السودانية وخدمتها المدنية ، مما يُوقع رأس الدولة في شر أعمال الهواة  من مساعديه وسفرائه  .  سياسة التمكين وإحلال الولاء مكان المقدرة والكفاءة هي السبب في هذه العبثيات التي تسئ إلى كرامة الدولة السودانية .

أم لعلها لعنة ( اللمسة الشيطانية ) ؟

يجب أن نعى جيدا أن  بلاد  السودان  أكبر من أن تترك لعبث الهواة ونزق الأدعياء وخيبات الخائبين .

قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ !


فمال هؤلاء القوم لا يكادون  يفقهون حديثاً ؟

ثامناً :

بهذا الحدث التراجيكوميدي ، طلبت الرياض من الخرطوم أن تخلع جلابيتها القديمة التي ضاقت بالواقع الإقليمي ، وتلبس جلابية جديدة ماهلة تزاوج بين المصالح الإقليمية ( الخليجية )  الحيوية والمصلحة الوطنية الضيقة المرتبطة بأيران وحماس  والمدابرة في بعض مكوناتها للمصالح الإقليمية .

ولكن أفأنت تُسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ؟ أفأنت تهدي  العمي ولو كانوا لا يبصرون ؟ إن الله لا يظلم الناس شيئاً ، ولكن الناس أنفسهم يظلمون .

تاسعاً :

ردة الفعل السودانية الهادئة  وتقبلها للحدث في إستكانة ودون ورجغة في الإعلام الحكومي على عكس عادتها في أوائل سنوات الإنقاذ تشئ بموقف السودان الضعيف  في الساحة الإقليمية  .  وربما في قول آخر صدق على السودان  قول الشاعر :

لا افْتِخارٌ إلاّ لمَنْ لا يُضامُ
مُدْرِكٍ أوْ مُحارِبٍ لا يَنَامُ.

مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ
ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ.

وتذكروا دوماً قوله تعالى :

قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ !

عاشراً :

كلمة أخيرة  واجبة :

تنادوا يا أهل السودان في إيقاف الطوفان وتوابعه ، وتبنوا جميعكم ميثاق النظام الجديد لسودان عريض بسياسات جديدة ووجوه جديدة لدحض الإملاءات الخارجية وبسط السلام الشامل العادل وتطبيق  التحول الديمقراطي الكامل . وأبدأوا دردقة الترتار الوطني بالتوقيع على ( تذكرة التحرير ) .

نواصل في الحلقة الثانية ...

 

آراء