حق التعليم وعقلية طالبان

 


 

 


كيف لا

في منتصف هذا الشهر يوليو احتفلت الصبية الباكستانية ملالا يوسف زاي بعيد ميلادها السادس عشر، من منبر الأمم المتحدة وقد صادف ذلك حملة الأمم المتحدة لضمان توفير التعليم المجاني الإلزامي لكل الأطفال . شهد الاحتفال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ، وممثلي منظمات حقوق الإنسان.  وملالا الناشطة الباكستانية التي ناضلت من أجل حقوق الفتيات في التعليم تعرضت لمحاولة اغتيال من تنظيم جماعة طالبان ، بهجوم مسلح عليها وهي في طريقها إلى المدرسة عام 2012، وذلك رداً على حملتها لمنح الفتيات حق التعليم. ولكنها دعت في كلمتها أمام الأمم المتحدة إلى كفالة  حق التعليم للجميع بما فيهم أطفال طالبان أنفسهم .
هذه الحكاية الشجية صادفتها بداية العام الدراسي الجديد هنا، فمن فتاة عرّضت حياتها للخطر من أجل تعليم اخواتها في بلدها وبين حق في التعليم مكفول في بلد آخر ولكن باتت تسيطر عليه عقلية شبيهة بعقلية طالبان ، وبدلاً من محاولة اغتيال فتيات ينادين بحق التعليم ، تم اغتيال التعليم نفسه . فقد كانت مؤسساتنا التعليمية تتمتع بثقة المجتمع بصفتها مسئولة عن التربية قبل التعليم ، وقد كان أولياء الأمور يتقبلون الرؤى والأفكار التي تتضمنها مناهج الوزارة بثقة عالية في محتواها. إلّا أنّ ما شاب هذه المناهج مؤخراً أبعدها عن أهمّ عناصرها من مصداقية وثبات نسبي حتى تكون ذات دلالة علمية وعملية عالية ، وخرج بها عن هدف التقويم الذي من المفترض به الارتقاء بنوعية الممارسة التعليمية ، فوجدنا كيف أنّ هذه المناهج ترسخ من بعض الصور السلبية مثل حصر التلميذات في مواد عن دورهن في الأعمال المنزلية ، وحصر التلاميذ في مواد الحرث والزرع وأعمال البناء وكان يمكن أن ترتقي بمادة موحدة للبنين والبنات دون تمييز وتجعل هدفها تطوير المهارات الشخصية وتشجيع الإبداع .
أما المثال الآخر فهو ما يتعلق بمواد التاريخ الإسلامي ومنها جزء يُحظى بخلاف كبير كونه حدث ودُوّن في فترة مجادلات ومعارك دينية وسياسية واسعة ، لن تنفع الطالب بقدر ما تضره لأنها تدخله هو الآخر في جدل فكري لا يتناسب مع حداثة سنه. ثم مادة الآداب الإسلامية وآداب التعامل الإنسانية نجد أنها تُدرس في سياقات نظرية فقط مما تؤدي إلى اضطراب منظومة القيم وقواعد الأخلاق لدى الطالب إذا لم يحولها المعلم إلى أرض التعامل الواقعي ، وإذا ميزها على غيرها من قضايا مهمة يثيرها الواقع المعاصر مثل قضايا حقوق الإنسان.
أما زمن بداية العام الدراسي متلازماً مع الخريف فهما معاً يفضحان سوءات إدارة المواسم المعلومة في بلادنا ومدى التخطيط لها. وما إن يبتدئ هذان الموسمان حتى تضج وسائل الإعلام بزيارة المسئول للمدرسة والمنطقة وإعلانه اكتمال الاستعدادات لبداية العام الدراسي الخريفي ، بينما الحقيقة أن هناك نقصاً حاداً في المعلمين والكتب المدرسية والبيئة التعليمية السليمة كما في التصريف.
يتحدث المسئولون عن الاستعداد للدراسة كما للخريف وذلك بأن يحضر كل طالب جوالات من منزله تساعده على الردم إن ظهر أي تهديد من الخريف لمدرسته . وهذا يعني أن يضع الطالب جوار سريره جوالاته الفارغة التي من المفترض أن يحملها صباحاً جنباً إلى جنب مع السندوتش وشنطة المدرسة ، ويسهر منتظراً نشرة الأحوال الجوية ليعرف توقعات الطقس إن تمتع في ليلته تلك بإمداد للتيار الكهربائي ، وإن لم يحدث فما عليه إلا أن يتابع  ومضات البروق .
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]

 

آراء